(إلا) صفة بمعنى غير وقد ((وصفت آلهة بإلا كما توصف بغير لو قيل آلهة غير الله)) (10) ثم إنه منع أن ترفع على البدلية لأن البدل لا يسوغ إلا في الكلام غير الموجب كقوله تعالى:) وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ- هود 81 ((11) والمقصود على قراءة الرفع لتصح البدلية.

ويرى الزركشي أن (إلا) هنا ((بمعنى غير إذا كانت صفة ويعرب الاسم بعد إلا إعراب غير ... وليست هنا للاستثناء وإلا لكان التقدير لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا وهو باطل)) (12).

وذكر رأياً آخر وهو جعل إلا بمعنى البدل وقال إنه رأي ابن الضائع في هذه الآية:) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا- الأنبياء 22 (أي بدل الله ثم نقل رأي ابن مالك بأن (إلا) هنا صفة للتأكيد لا للتخصيص وآية ذلك أنك لو حذفتها صح الكلام فيكون (لو كان فيها آلهة لفسدتا) لأن الفساد مرتب على تعدد الآلهة (13). ويقول العكبري في ذلك: (قوله تعالى إلا الله الرفع على أن إلا صفة بمعنى غير ولا يجوز أن يكون بدلاً لأن المعنى يصير إلى قولك لو كان فيهما الله لفسدتا) (14) ولا شك أن المعنى فاسد ولا يقره ذو عقل سليم وهذه البدلية منعها أيضاً ابن الأنباري في إنصافه (لأن البدل يوجب إسقاط الأول ولا يجوز أن تكون آلهة في حكم الساقط لأنك لو أسقطته لكان بمنزلة لو كان فيها إلا الله وذلك لا يجوز ألا ترى أنك لا تقول جاءني إلا زيد) (15).

ورد ابن هشام البدلية على من قال بها وهو المبرد في أن اسم الجلالة بدل من آلهة وأنه لا يجوز (16).

هذه طائفة من الآراء حول هذه المسألة وهناك غير ذلك وحسبنا هذه ففيها غنية لمن أراد التحقق منها وما لم يذكر فهو يدور في فلك هذه الآراء على أنني وجدت رأياً لعله جدير بأن يقبل ويرتضى وهو القول بحركة العارية أو تحويل حركة الرفع من (غير) إلى ما بعدها لأن (إلا) لا تحتمل حركة الرفع التي يجب أن تكون لذلك يتم نقل (حركة الرفع من (غير) إلى ما بعد (إلا) لعدم ظهورها على (إلا) على سبيل العارية فيقال (إلا) الله صفة) (17).

ولكن يقرب منه رأي صاحب كتاب الواو المزيدة في جعله (إلا مكان غير كما في قوله تعالى) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا- الأنبياء 22 (لأنه كانت غير مرفوعة فلما وضعت إلا مكانها ولا تصلح للرفع ارتفع ما بعدها على ما كانت غير مرتفعة به وهو النعت)) (18)، أما (لفسدتا) فاللام هو جواب لو (19) أي جواب للشرط من قبل وجود (لو).

وكل هذا المذكور بين (إلا) و (غير) يندرج تحت باب تقارض الألفاظ في الأحكام وقد ذكره ابن هشام وتوسع فيه ومنه إعطاء (غير) حكم (إلا) في الاستثناء وإعطاء (إلا) حكم (غير) وصفاً وقد ذكر هذه الآية (20).

وعند التحقيق نجد أن هذا الأمر قد ذكره سيبويه في كتابه وعقد له باباً سماه (باب غير) وقال إن (غير) يكون فيها معنى (إلا) وكل موضع جاز فيه الاستثناء بـ (إلا) جاز بـ (غير) وجرى مجرى الاسم الذي بعده (21).

مسرد الهوامش

(1) ينظر مشكل إعراب القرآن:1/ 63

(2) مشكل إعراب القرآن: 1/ 64

(3) إرشاد العقل السليم:6/ 61

(4) ينظر لسان العرب: (ف س د).

(5) ينظر حروف المعاني للزجاجي: 3

(6) ينظر التطبيقات اللغوية: 49

(7) ينظر معاني النحو:4/ 76

(8) ينظر مغني اللبيب: 1/ 352

(9) ينظر معاني النحو:4/ 77 - 78

(10) الكشاف: 1/ 778

(11) ينظر الكشاف: 1/ 779

(12) البرهان في علوم القرآن:4/ 239

(13) ينظر البرهان: 4/ 240

(14) التبيان:2/ 131، وينظر المفصل:99

(15) الإنصاف:272

(16) ينظر مغني اللبيب: 1/ 969

(17) التطبيقات اللغوية:49

(18) الفصول المفيدة:194

(19) ينظر المفصل:451

(20) ينظر مغني اللبيب:1/ 915

(21) ينظر سيبويه:2/ 343

مسرد المصادر والمراجع

- القرآن الكريم برواية حفص.

- إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم. محمد بن محمد العمادي أبو السعود نشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت.

- الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين. أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد الأنباري. نشر: دار الفكر - دمشق

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015