(فصلّ لربك و انحر) أي كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا و الآخرة , و من ذلك النهر الذي تقدم صفته فأخلص لربك صلاتك المكتوبة و النافلة و نَحْرَك , فاعبده وحده لا شريك له و انحر على اسمه وحده لا شريك له كما قال تعالى " قل إنّ صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين لا شريك له و بذلك أمرت و أنا أوّل المسلمين ".
و خصّ هاتين العبادتين بالذكر لأنهما من أفضل العبادات و أجلّ القربات , و لأن الصلاة تتضمن الخضوع في القلب و الجوارح للّه , و تنقلها في أنواع العبودية , و في النحر تقرب إلى الله بأفضل ما عند العبد من النحائر و إخراج للمال الذي جبلت النفوس على محبته و الشح به.
و في الآية دليل على وجوب تقديم صلاة العيد على النحر و هو ما عليه جمهور الفقهاء - قلت (عبد الحي): روى البخاري عن البراء بن عازب قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم النّحر بعد الصلاة , فقال: من صلّى صلاتنا و نسك نسكنا فقد أصاب النسك , و من نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم) -.
و جائز أن يكون المراد من صلّ لربك و انحر أي صلّ صلاة الصبح بمزدلفة وانحر هديك بمنى.
(إنّ شانئك هو الأبتر) أي إن مبغضك - يا محمد - و مبغض ماجئت به من الهدى و الحق و البرهان الساطع و النور المبين , هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكرُهُ.
قال ابن عباس و مجاهد و سعيد بن جبير , و قتادة: نزلت في العاص بن وائل. و قال شَمِر بن عطية: نزلت في عقبة بن أبي معيط , و قال ابن عباس أيضا , و عكرمة: نزلت في كعب بن الأشرف و جماعة من كفار قريش. و قال عطاء: نزلت في أبي لهب , و عن ابن عباس: نزلت في أبي جهل. قال ابن كثير: و الآية تعم جميع من اتصف بذلك , ممن ذكر و غيرهم.
" هو الأبتر " أي المقطوع من كل خير , مقطوع العمل , مقطوع الذِكر , و أما محمد صلى الله عليه و سلم فهو الكامل حقا , الذي له الكمال الممكن في حق المخلوق من رفع الذِكر , و كثرة الأنصار و الأتباع صلى الله عليه و سلم.
ـ[عبدالحي]ــــــــ[29 - Nov-2007, مساء 07:12]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تفسير سورة الماعون
هي مكية الأوائل مدنية الأواخر و آياتها سبع آيات
قوله تعالى (أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم و لا يحض على طعام المسكين) هذه الآيات الثلاث نزلت بمكة في العاص بن وائل و الوليد بن المغيرة و أضرابهم من عتاة قريش و كفارهم فهذه الآيات تُعرِّض بهم و تندد بسلوكهم و توعدهم.
(أرأيت الذي يكذب بالدين) أي بثواب الله و عقابه , فلا يطيعه في أمره و نهيه , قال أبو سعود: استفهام أريد به تشويق السامع إلى معرفة من سيق له الكلام و التعجيب منه.
(فذلك الذي يَدُعُّ اليتيم) أي: هو الذي يقهر اليتيم و يظلمه حقه , و لا يطعمه و لا يحسن إليه و لا يرحمه لقساوة قلبه , و لأنه لا يرجو ثوابا و لا يخشى عقابا.
(و لا يحضُّ على طعام المسكين) أي لا يحثّ غيره من ذوي اليسار على إطعام المحتاج و سدّ خلته , بل يبخل بسعيه عند الأغنياء لإغاثة البؤساء , قال أبو سعود: و إذا كان حال من ترك حث غيره على ما ذكر , فماظنك بحال من ترك ذلك مع القدرة؟.
قوله تعالى (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون و يمنعون الماعون) هذه الآيات الأربع نزلت في بعض منافقي المدينة النبوية فلذا نصف السورة مكي و نصفها مدني.
(فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) هذا وعد شديد لهم إذ الويل واد في جهنم يسيل من صديد أهل النار و قيوحهم و هو أشد العذاب إذ كانوا يُغْمَسون فيه أو يطعمون و يشربون منه.
و معنى عن صلاتهم ساهون قال ابن جرير: " أي لاهون يتغافلون عنها و ذلك باللهو عنها و التشاغل بغيرها , و تضييعها أحيانا و تضييع وقتها أخرى " و مفوتون لأركانها , و هذا لعدم اهتمامهم بأمر الله حيث ضيعوا الصلاة , التي هي أهم الطاعات و أفضل القربات. قلت (عبد الحي): فإن كان هذا حالهم مع أجل الطاعات فإهمالهم لباقي العبادات و القربات أكثر و أوسع , و تضييعها على النفس أسهل و أطوع.
(الذين هم يراءون) أي يراؤون الناس بصلاتهم إذا صلوا لأنهم لا يصلّون رغبة في ثواب , و لا رهبة من عقاب , و إنما يصلونها ليراهم المؤمنون فيظنوهم منهم فيكفوا عنهم , لأن بالمراءاة يدرءون عن أنفسهم القتل و السبي.
(و يمنعون الماعون) أي ما يعان به الخلق و يصرف في معونتهم من الأموال و الأمتعة و كل ما ينتفع به , فإذا استعارهم مؤمن ماعونا للحاجة به لا يعيرونه و يعتذرون بمعاذير باطلة , فهؤلاء لمنع الزاكة و أنواع القربات أولى و أولى.
روى ابن جرير عن عبد الله قال: كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم نتحدث أن الماعون الدلو , و الفأس و القِدر لا يستغنى عنهن.
و قال ابن عباس (و يمنعون الماعون) يعني: متاع البيت , و كذا قال مجاهد و إبراهيم النَّخعي و سعيد بن جبير و غير واحد: إنها العاريّة للأمتعة.
و قال عكرمة: رأس الماعون زكاة المال , و أدناه المنخل , و الدلو , و الإبرة. و هذا الذي قاله عكرمة حسن , فإنه يشمل الأقوال كلها , و ترجع كلها إلى شيء واحد , و هو ترك المعاونة بمال أو منفعة.
¥