وأما محمد بن عمران فقد ذكره ابن حبان في ثقاته (9/ 147) وقال ابن حجر في اللسان (3/ 254):
"أحد الثقات".
2/ روي عن الثوري عن إبراهيم عن طاووس مرسلاً.
وهذا الوجه ذكره الخليلي؛ فقال – بعد الإشارة إلى رواية عبدالصمد ومؤمَّل عن الثوري-:
(وغيرهما رواه عن الثوري عن إبراهيم عن طاووس مرسلاً).
ونقل أبو القاسم المهرواني عن أبي بكر الخطيب قولَه:
(لم يرو هذا الحديث كذا موصولاً عن سفيان الثوري إلا عبدالصمدُ بن حسان، وتابعه مؤمل بن إسماعيل.
ورواه غيرهما عن سفيان مرسلاً ولم يذكر ابن عباس في إسناده، وهو الصواب).
وقد نسبَ الشيخُ الألباني "رحمه الله" هذا الكلام إلى المهرواني، والصوابُ أنه من كلام الخطيب البغدادي.
ويصعبُ الجزم –في رأيي- بصحة أحد الوجهين السابقين عن الثوري لعدم الوقوف على رواة الإرسال؛ إلا أن ثمةَ قرائنُ تقوِّي رواية الإرسال، منها:
1– جَزْمُ الحافظ أبي بكر الخطيب بصحة رواية الإرسال عن الثوري.
2– أن رواة الوصل ليسوا من أصحاب الثوري المتثبتين، بل إن مؤمل بن إسماعيل فيه ضعف من قبل حفظه، وأما عبدالصمد فصدوق له أفراد، كما ذكر الخليلي.
3– أن الثقات من تلاميذ إبراهيم بن ميسرة قد رووا الحديث عنه عن طاووس مرسلاً، وهذا يؤيِّد الوجهَ المرسلَ عن الثوري.
ولذا؛ فرواية الإرسال عن الثوري أقوى –فيما يبدو لي-.
وأنتقلُ الآن إلى الكلامُ عن رواية إبراهيم بن ميسرة؛ فأقول:
اختُلف في هذا الحديث على إبراهيم بن ميسرة على وجهين:
الأول/ رُوي عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس مرفوعاً.
رواه عن إبراهيم على هذا الوجه:
1 - سفيان بن عيينة (في وجه شاذ عنه).
2 - سفيان الثوري (في وجه مرجوح عنه).
3 - محمد بن مسلم الطائفي، وقد أخرج روايته ابن ماجه في سننه (1847) والحاكم في المستدرك (2/ 174) والبيهقي في سننه الكبير (7/ 78) والضياء في المختارة (11/ 52 - 54) والطبراني في الكبير (11/ 50) وفي الأوسط (3/ 282) وتمام في فوائده (1/ 322) والعقيلي في الضعفاء (4/ 134) ومن طريقه ابن الجوزي في ذم الهوى (ص510) وابن عساكر في تاريخ دمشق (54/ 184) و (61/ 460) و (65/ 71 - 72) وأبو حاتم كما في العلل لابنه (2/ 253).
من طريق محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة به.
ومحمد بن مسلم فيه ضعف.
4 - عثمان بن الأسود المكي. كما في أطراف الأفراد والغرائب (3/ 194 - ) من طريق يزيد بن مروان عن عمر بن هارون عن عثمان بن الأسود عن إبراهيم به.
وهذا الإسناد لا يصح؛ فإن عثمان وإن كان ثقةً، إلا أن عمر بن هارون متروك، ويزيد بن مروان ضعيفٌ جداً.
الثاني/ روي عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس مرسلاً.
وقد رواه عن إبراهيم على هذا الوجه:
سفيان بن عيينة (في الوجه الثابت عنه).
وسفيان الثوري (في الوجه الراجح عنه).
ومعمر بن راشد، رواه عنه عبدالرزاق في المصنف (6/ 168) عن إبراهيم بن ميسرة به.
وابن جريج، رواه عنه عبدالرزاق في الموطن السابق وابن أبي شيبة في مصنفه (3/ 454) والبيهقي في الكبرى (7/ 78).
وهذا الوجه عن إبراهيم هو الصواب.
وبهذا العرض يتبينُ أنَّ الحديث مرسل، وأن رواية الوصل شاذة، لما يلي:
1– أن معمر وابن جريج قد رويا هذا الحديث عن إبراهيم عن طاووس مرسلاً، ولم يُختَلَف عليهما في ذلك.
2– تابعهما ابن عيينة على الإرسال، وأما رواية الوصل عنه فهي ظاهرة الشذوذ.
3– أن الثوري قد رُوي عنه الوجهان، ورواية الإرسال عنه أقوى؛ لقرائن سبق ذكرها.
4– أن محمد بن مسلم الطائفي قد روى الحديث عن إبراهيم موصولاً ولم يُختَلَف عليه فيه، إلا أن محمداً فيه ضعفٌ، ولا يقاس بمن أرسل الحديث عن إبراهيم.
ومتابعة عثمان بن الأسود لا أصلَ لها، كما سبق.
وقد حكم بترجيح المرسل الحافظ العقيلي، حيث قال في الضعفاء عقب تخريجه للحديث موصولاً ثم مرسلاً: "وهو أولى" يعني المرسل.
بينما مال الحاكم إلى تصحيحه، فقال عن رواية محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، لأن سفيان بن عيينة ومعمر بن راشد أوقفاه عن إبراهيم بن ميسرة على ابن عباس).
قال الشيخ الألباني "رحمه الله" مصحِّحاً عبارة الحاكم: (كذا قال؛ ولعلَّ صوابَ العبارة: أرسلاه عن إبراهيم ابن ميسرة عن ابن عباس).
وكذلك صححه الشيخ الألباني حيثُ رجح الوصل على الإرسال، وقد سبق بيانُ خطأ الرواية الموصولة.
فائدة/
جاء في سبب هذا الحديث ما أخرجه ابن شاذان في المشيخة الصغرى (60) ومن طريقه ابن الجوزي في ذم الهوى (ص511) عن أبي الفوارس عن حيان بن بشر عن أحمد بن حرب الطائي عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبدالله قال: جاء رجلٌ إلى النبي فقال: يا رسول الله إن عندنا يتيمة قد خطبها رجلان؛ موسِرٌ ومُعسر، هي تهوى المُعسِر، ونحن نهوى المُوسر، فقال رسول الله:
"لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح".
وسبق التنبيه على شذوذ هذا الوجه.
كتبه/ أبو محمد، عبدالله الحمادي
¥