وهذا الوجه منكر، لتفرُّد العطار به، ومخالفته الطريقَ الصحيحة عن عثمان بن عمر.

وإدريس متروك الحديث.

وبعد إتمام الكلام على أسانيد هذا الحديث، أنتقلُ إلى الكلام على متنه، فأقول:

جاءت روايتان شاذتان في متن هذا الحديث، أحببتُ التنبيهَ عليهما:

الرواية الأولى/ذِكْرُ قصةِ الرجل الذي أتى إلى عثمان بن عفان في حاجةٍ له، وقد سبقت الإشارةُ إليها.

وهذه القصة مدارُها على شبيب بن سعيد عن روح بن القاسم عن أبي جعفر عن أبي أمامة عن عثمان بن حنيف.

وقد رواها عن شبيب (عبدُالله بن وهب) في عامة المصادر التي خرَّجتْ الحديثَ من طريقه.

كما رواها عنه ابنُه (أحمدُ بن شَبيب) عند عبدالغني المقدسي في الترغيب في الدعاء دون بقية المصادر التي خرَّجت الحديث من طريقه.

وهذه القصةُ شاذةٌ لا تصح؛ لما يلي:

أولاً/ أنَّ مدارَها على شَبيب بن سعيد، ولأهل العلم كلامٌ في روايته، إلا أن الأقربَ صحةُ حديثه إذا حدَّث عنه ابنه أحمد وكان شيخُه في الإسناد يونس بن يزيد.

نصَّ على هذا ابنُ عدي في الكامل، وهي طريقةُ إخراج البخاري له في الصحيح؛ كما ذكر ابن حجر.

ثانياً/نصَّ ابنُ عدي على أن عبدَالله بن وهب قد حدَّث عن شبيب بمناكير.

وهذه القصة من رواية عبدالله بن وهب عن شَبيب.

وأما رواية أحمد بن شبيب لها عن أبيه فلم تُذكَر في عامة المصادر إلا عند عبدالغني المقدسي.

ثم إن شيخ شبيب في هذا الإسناد ليس يونس بن يزيد.

ثالثاً/أن كلَّ مَنْ روى الحديثَ عن أبي جعفر لم يذكر هذه القصة، ومنهم شعبة بن الحجاج وهشام الدستوائي.

الرواية الثانية/زيادة: "وإن كانت حاجةٌ؛ فافعل مثل ذلك".

وهذه الزيادة رواها ابنُ أبي خيثمة في تاريخه من طريق حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة عن عثمان بن حُنيف.

ولم يرو هذه الزيادة أحدٌ ممن خرَّج الحديث من طريق حماد سوى ابن أبي خيثمة.

ثم إن شعبة بن الحجاج وهشاماً الدستوائي رويا هذا الحديث عن أبي جعفر الخطمي بدونها.

ومعلومٌ أن حماد بن سلمة وإن كان ثقةً في الأصل، إلا أن له أوهاماً في روايته عن كثير من شيوخه، كما ذكر الإمام مسلم وغيره، بينما هو أثبت الناس في ثابت البناني.

وإنما أحببتُ التنبيه على هاتين الروايتين، لأنه قد يُستدل بهما على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو جاهه، وهما روايتان منكرتان.

بقي أن يُقال:

هل في حديث عثمان بن حُنيف رضي الله عنه في قصة الرجل الضرير بلفظها الصحيح حجةٌ لمن رأى التوسلَ بذات النبي أو جاهه؟ حيثُ إنه قال: " اللهم إني أسألك وأتوجَّه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة".

والجواب:

كلا، ليس فيها ما يمكن أن يُتمسَّك به في ذلك، لأن الرجلَ إنما أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليدعوَ له لاليتوسل بذاته أو جاهه، ولو كان قَصَدَ ذلك لما احتاج إلى المجيء الذي يشقُّ على مثله، ولكفاه ذلك التوسلُ وهو قاعدٌ في بيته!

ولذا قال: "ادعُ الله أن يعافيني" وهذا دليلٌ صريح على التوسل المشروع بدعاء الرجل الصالح.

وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: "إن شئتَ دعوتُ، وإن شئت صبرتَ؛ فهو خيرٌ لك" فقال الرجل: "بل ادعُه".

وقد ذكر أهل العلم هذا الحديثَ ضمن معجزاته صلى الله عليه وسلم؛ حيث أجاب اللهُ دعاءَه، وعاد بصرُ هذا الرجل الضرير.

قال ابن تيميَّة: (وهذا الحديث ذكره العلماءُ في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه المستجاب، وما أظهر الله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من العاهات، فإنه صلى الله عليه وسلم ببركة دعائه لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره).

قاعدةٌ جليلة في التوسل والوسيلة ص201

ثم إن في الحديث نوعاً آخر من أنواع التوسل المشروع، وهو ما أرشد إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل من التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة من إحسانٍ للوضوء ثم صلاةِ ركعتين ثم سؤالِ الله تعالى، وهذا توسلٌ مشروع.

يُنظر/ الواسطة بين الله وخلقه عند أهل السنة ومخالفيهم للدكتور المرابط بن محمد يسلم الشنقيطي ص571 - .

وأنواع وأحكام التوسل المشروع والممنوع لعبدالله بن عبدالحميد الأثري ص181 - .

والله أعلم، وصلى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وآله وصحبه.

كتبه/ أبو محمد، عبدالله بن جابر الحمادي.

ـ[سلمان أبو زيد]ــــــــ[27 - Feb-2007, مساء 05:41]ـ

جزاكُم اللهُ خيرًا

ونفع بكم يا شيخ عبد الله الحمادي.

ـ[آل عامر]ــــــــ[27 - Feb-2007, مساء 07:24]ـ

جزاكُم اللهُ خيرًا

ونفع بكم يا شيخ عبد الله الحمادي.

آمين

ـ[الحمادي]ــــــــ[01 - Mar-2007, صباحاً 07:30]ـ

الأخوان الفاضلان سلمان وآل عامر

وجزاكما ربي خيراً ونفع بكما

ـ[بن سالم]ــــــــ[31 - Jul-2007, مساء 09:04]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

تَخريجٌ مُوَفَّقٌ - نَفَعَ اللهُ بِكُمْ -

ـ[ابن رجب]ــــــــ[31 - Jul-2007, مساء 10:46]ـ

شكر الله لكم هذا الجهد ابا محمد ,,,

وأذكر أن فارس العقيدة الشيخ سفر الحوالي تكلم عن بعض ماتفضلتم به في شرح الطحاوية.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015