ـ[أبو طيبة]ــــــــ[29 - عز وجلec-2010, صباحاً 12:49]ـ
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا؛
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وبعد: عن أبي مدينة الدارمي- رضي الله عنه -، قال: «كان الرجلان من أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم - إذا التقيا، ثم أرادا أن يفترقا، قرأ أحدهما: ? والعصر إن الإنسان لفي خسر ? حتى يختمها، ثم يسلم كل واحد منهما على صاحبه» ([1]).
قال الشيخ الألباني – رحمه الله -: «وفي هذا الحديث فائدتان مما جرى عليه عمل سلفنا – رضي الله عنهم جميعا-:
إحداهما: التسليم عند الافتراق، وقد جاء النص بذلك صريحا من قوله – صلى الله عليه وسلم -: «إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، وإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة». وهو حديث صحيح ... وفي معناه الأحاديث الآمرة بإفشاء السلام ...
والأخرى: نستفيدها من التزام الصحابة لها، وهي قراءة سورة العصر؛ لأننا نعتقد أنهم أبعد الناس عن أن يحدثوا في الدين عبادة يتقربون بها إلى الله، إلا أن يكون ذلك بتوقيف من رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قولا أو فعلا أو تقريرا ... » ([2]).
وعن أبي نضرة – رحمه الله -، قال: «كان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - إذا اجتمعوا تذاكروا العلم، وقرءوا سورة» ([3]).
قلت: هي سورة العصر كما مر، قال الله تعالى: ? والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ? [العصر: 1 – 3].
عن محمد بن كعب القرظي – رحمه الله – قال في قوله تعالى: «? والعصر ? قال: «قسم أقسم به ربنا تبارك وتعالى، ? إن الإنسان لفي خسر ? قال: الناس كلهم، ثم استثنى فقال: ? إلا الذين آمنوا?، ثم لم يدعهم وذلك حتى قال: ? وعملوا الصالحات ?، ثم لم يدعهم وذلك حتى قال: ?وتواصوا بالحق ?، ثم لم يدعهم وذلك حتى قال: ? وتواصوا بالصبر ? شروطا يشترط عليهم» ([4]).
وقال الإمام الشافعي - رحمه الله-: «لو ما أنزل الله حجة على عباده إلا هذه السورة لكفتهم» ([5]) وقال: «الناس في غفلة عن هذه السورة ? والعصر ?» ([6]).
ومما تضمنته هذه السورة:
1/ الإشارة إلى قيمة الزمن وضرورة حفظ الأوقات:
عن ابن عباس– رضي الله عنه- في قوله: ? والعصر ?قال: «العصر: ساعة من ساعات النهار» ([7]). وقال ابن قيم الجوزية – رحمه الله -: «والعصر المقسم به قيل: هو أول الوقت الذي يلي المغرب من النهار، وقيل: هو آخر ساعة من ساعاته، وقيل: المراد صلاة العصر، وأكثر المفسرين على أنه الدهر، وهذا هو الراجح» ([8]).
وقال الطبري – رحمه الله -: «والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن ربنا أقسم بالعصر، والعصر اسم للدهر، وهو العشيّ والليل والنهار، ولم يخصص مما شمله هذا الاسم معنى دون معنى، فكلّ ما لزِمه هذا الاسم، فداخل فيما أقسم به جلّ ثناؤه» ([9]).
فالله – جل وعز - أقسم بالعصر، وهو الدهر ([10])، والدهر الزمان ([11])، والزمن والزمان اسم لقليل الوقت وكثيره ([12])، والوقت مقدارٌ منه ([13])، وهو محل أعمال الإنسان، وأجل تحصيل عند العقلاء بإجماع العلماء، وإنما أقسم الله به لبيان أهميته وعظمه، وأنه من جملة أصول النعم التي ينبغي أن تغتنم، وقدمه لأن مراعاة الأوقات مقدمة على مراعاة جميع الواجبات.
وعمر الإنسان هو وقته في الحقيقة، وهو مسئول عنه؛ عن ابن مسعود – رضي الله عنه - عن النبي – صلى الله عليه وسلم– قال: «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم» ([14]).
فالمسلم مطالب بمراعاة الوقت يوميا لأداء الصلوات في أوقاتها، وبمراعاتها أسبوعيا لأداء صلاة الجمعة، وبمراعاتها شهريا في العدة والطلاق وغيرهما، وبمراعاتها سنويا لأداء الزكاة وصوم شهر رمضان، وبمراعاتها على مدى العمر لأداء مناسك الحج وعبادة الله.
¥