والذي يترجح من تأويل الحك لهما أنَّ ابنَ مَسعود عُرِفَ عنه الدِّقَّة والتورُّع، وقد سبق له حضور الجمع الأول للمصحف، واشتراط الشروط في الكتابة، وهو أن يشهد شاهدان على أن كتابتهما بمحضر رسولِ الله - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - وهو عنده أنَّهما تلقاهما عَرْضًا على النبي - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - في العَرْضَة الأخيرة وَحْدَه، ولم يكتبهما بحضرة النبي - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - وهذا بالنسبة لمصحفه، وأمَّا بالنسبة لمصاحف تلامذته، فهي إمَّا أن يكون أجرى عليهم ما ألزم به نفسه مع إقرائه لهم السورتين، أو يكون في بعض المصاحف زيادة من الفواصل، فقد ثَبَتَ عنه أنَّه رأى أحَدَهم يكتب فواصِلَ السور والآيات فحَكَّها.

كما هو عند ابن أبي شيبة وغيره.

ثُم هناك دليلٌ نَستأنس به أخيرًا: لو كان ابنُ مسعود يُنكر المعوذتين من القرآن، لأنكر عليه أصحابُ النبي - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - ممن وفدوا عليه وسَمعوا منه، ومن أصحابه، وفيهم مَن أخذ المصحف من رسولِ الله، كأبي موسى الأشعري، وقراءة يعقوب الحضرمي، التي تنتهي إلى أبي موسى فيها المعوذتان، كما لا يَخفى أنَّ عمر أنكر عليه حرفًا واحدًا في قراءة القرآن الكريم، كما روى الخطيب وابن الأنباري وابن عبدالبر قال ابن عبدالبر: أخبرنا عبدالله بن محمد، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا الحسن بن علي الواسطي، قال: حدثنا هشيم، عن عبدالله بن عبدالرحمن بن كعب الأنصاري، عن أبيه، عن جده، أنَّه كان عند عمر بن الخطاب، فقرأ رجل: (من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه عتى حين) [يوسف: 35]، فقال عمر: مَن أقرأكها؟ قال: أقرأنيها ابنُ مسعود، فقال له عمر: {حتى حين}، وكتب إلى ابن مسعود: "أمَّا بعد: فإنَّ اللهَ أنزل القرآن بلسان قريش، فإذا أتاك كتابي هذا، فأقرئ الناسَ بلُغَةِ قريش، ولا تُقرئهم بلغةِ هُذيل، والسلام".

وهذا إسناد حسن.

وهل الإنكار في هذا مع علم عمر بخبر إملاء المصاحف وإقراره به أولى من الإنكار على الشبهة المذكورة إن ثبتت؟!

وأمَّا إملاؤه المصاحف وإقرار عمر - رضي الله عنه - فقد جاء بإسناد صحيح.

29297 - عن قيس بن مروان: أنَّه أتى عمر، فقال: جئت - يا أمير المؤمنين - من الكوفة، وتركت بها رجلاً يُملي المصاحفَ من ظهر قلبه، فغضب وانتفخ حتى كاد يَملأ ما بين شعبتي الرجل، فقال: ومَن هو ويحك؟ قال: عبدالله بن مسعود، فما زال يطفأ ويسير عنه الغضب حتى عاد على حاله التي كان عليها، ثُمَّ قال: وَيْحَك، والله ما أعلمه بَقِيَ من الناس أحدٌ هو أعلم بذلك منه، وسأحدثك عن ذلك: كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلةَ كذلك في الأمر من أمر المسلمين، وإنه سمر عنده ذاتَ ليلة وأنا معه، فخرج رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وخرجنا معه، فإذا رجل قائِمٌ يصلي في المسجد، فقام رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستمع قراءتَه، فلما كدنا أن نعرفه قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَنْ سَرَّه أن يقرأ القرآن رطبًا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد))، ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((سل تعطَه))، قلت: والله لأغدُوَنَّ إليه، فلأبشرنه، فغدوت إليه لأبشره، فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه، فبَشَّرَه، والله ما سابقته إلى خير قطُّ إلاَّ سَبَقني إليه؛ (أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن خزيمة، والبخاري في التاريخ، وابن حبان، والدارقطني في الأفراد، والحاكم، وأبو نعيم في الحلية، والضياء)؛ أخرجه أحمد (1/ 25، رقم 175)، والنسائي في الكبرى (5/ 71، رقم 8257)، وابن خزيمة (2/ 186، رقم 1156)، والحاكم (2/ 246، رقم 2893)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 124)، والضياء (1/ 93، رقم 14).

وأخرجه أيضًا: أبو يعلى (1/ 172، رقم 194)، والبيهقي (1/ 452، رقم 1968).

[فكان] فيما سأل: اللهم إنِّي أسألك إيمانًا لا يرتد، ونعيمًا لا ينفد، ومرافقة نبيك محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أعلى جنان الخلد.

فهنيئًا له، وإني لأرجو الله - تعالى - بِرَدِّي هذا أن يجعلني رفيقهما في أعلى جنان الخلد.

هذا آخر ما كتب، والله أسأل أن أكونَ مُوفقًا فيما كتبت، وأسأله إيمانًا لا يرتد، ونعيمًا لا ينفد، ومرافقة نبيه محمد - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - في أعلى جنان الخلد، وأسأله حب الصالحين من عباده، وعمل المحسنين من السابقين، وعلم الخاشعين أولى الخشية من المتقين ... آمين.

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.

ـ[أسامة]ــــــــ[25 - عز وجلec-2010, مساء 05:45]ـ

جزاك الله خيرًا. وبارك في أبي سعد الدين عبدالله السيد حسين العتابي الرسي، ونفع به.

أصله:

http://www.alukah.net/Sharia/0/28375

ـ[القارئ المليجي]ــــــــ[25 - عز وجلec-2010, مساء 06:26]ـ

جزاك الله خيرًا. وبارك في أبي سعد الدين عبدالله السيد حسين العتابي الرسي، ونفع به.

أصله:

http://www.alukah.net/sharia/0/28375

نعم ...

وبارك الله في أبي سعد الدين عبد الله السيد حسين العتابي الرسي، ونفع به.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015