ورَغْم وجود انقطاعٍ إلاَّ أنَّ الخبر حسن في مُجمله، ومَجموع طرقه تُفيد في تعيين ذلك المجهول، فهو عند أحمد قال: حدثنا رجلٌ من همدان من أصحابِ ابن مسعود، وما سَمَّاه لنا، وعند الطبراني من طريق أسد بن موسى عن محمد بن طلحة اليامي عن زُبَيْد اليامي عنه قال: عن رجل وصف صفة يرى أنَّه عمرو بن شُرَحْبيل؛ يعني: أبا ميسرة الكوفي، فهو من أصحاب ابن مسعود، وهو من همدان، بل إنَّه من أكابر أصحابه وثقاتهم.
ـ[القارئ المليجي]ــــــــ[25 - عز وجلec-2010, مساء 12:45]ـ
قراءة ابن مسعود للمعوذتين وإثباته لقُرآنيتهما
أما أدلة ذلك، فدليلان:
الأول: تواتُر القراءة عنه، وفيها الفاتحة والمعوذتان.
الثاني: الأمر منه بقراءتها قرآنًا مثلها مثل سائر القرآن.
الأول دليل التواتر:
من المعلوم عند القُرَّاء وغيرهم تواتُر قراءةِ عاصم بن أبي النجود، وهذه القراءة لَها قارئان مشهوران، عنهما أخذت وتواترت:
الأول: حفص بن سليمان.
والثاني: أبو بكر بن عياش شعبة.
أمَّا القارئ الأول: فهو حفص بن سليمان بن المغيرة أبو عمر بن أبي داود الأسدي الكوفي الغاضري البزَّاز، ويعرف بحُفَيْص، أخذ القراءةَ عَرْضًا وتلقينًا عن عاصم، وكان ربيبَه (ابن زوجته)، نزل بغداد فأقرأ فيها، وجاور مكة فأقرأ بها أيضًا، وروى القراءةَ عنه خلقٌ كثير.
ولد - رحمه الله تعالى - سنةَ تسعين من الهجرة، وتُوفي سنةَ ثَمان ومائة.
وأما القارئ الثاني: هو شعبة بن عيَّاش أبو بكر الحناط الأسدي النهشلي الكوفي، ولد سنة خمس وتسعين، وعرض القرآن على عاصم ثلاثَ مَرَّات، وروى عنه الحروفَ سَماعًا خلقٌ كثير، وكان من أئمة السنة، وكان ثقةً، ولما حضرته الوفاة، بكت أختُه، فقال لها: ما يُبكيك؟ انظري إلى تلك الزَّاوية، فقد ختمت فيها ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ألْفَ خَتْمة.
توفي - رحمه الله تعالى - في جُمادى الأولى سنةَ ثلاثٍ وتِسعين ومائة، وقيل: سنة أربع.
وقد قرأا سورتي المعوذتين مثلين لم يَختلفا فيهما عن عاصم.
وأمَّا أصول قراءة عاصم:
فقد قرأ على أبي عبدالرحمن السلمي، وهو عن علي بن أبي طالب وزيد وأُبَي وعثمان.
وقرأ على زِرِّ بن حُبَيْش، وقرأ زر على ابن مسعود، وعرض على زيد وأبي وعثمان.
وثبت بالسند الصحيح عن عاصم فيما رواه عنه أبو بكر بن عياش قال: ما أقرأني أحد حرفًا إلاَّ أبا عبدالرحمن السلمي، وكان عرض على علي، فكنتُ أقرأ عليه، ثم أمُرُّ على زِرِّ بن حُبَيْش، فأعرض عليه ما قرأت، قال أبو بكر: لقد استوثقت.
وقرأ عاصم أيضًا على أبي عمرو سعد بن إلياس الشيباني، وهو أخذ القراءة على ابن مسعود.
وقال عاصم لحفص: ما أقرأتك، فهو على ما أقرأني أبو عبدالرحمن على ما قرأ على عليٍّ، وما أقرأتُ أبا بكر (يعني شعبة)، فعلى ما أقرأني زر بن حبيش على ما قرأ على عبدالله بن مسعود.
ومما لا شَكَّ فيه أنَّ ابن مسعود قد أقرأ خلقًا، منهم علقمة، وهو أعلم الناس بقراءة ابن مسعود بشهادة عبدالله نفسه، كما أخرج البخاري في صَحيحه، حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: "كنَّا جلوسًا مع ابن مسعود، فجاء خباب، فقال: يا أبا عبدالرحمن، أيستطيعُ هؤلاء الشباب أنْ يقرؤوا كما تقرأ؟ قال: أمَا إنَّك لو شئت أمرت بعضهم يقرأ عليك، قال: أجَلْ، قال: اقرأ يا علقمة، فقال زيد بن حدير أخو زيد بن حدير: أتأمُر علقمة أن يقرأ وليس بأقرئنا؟ قال: أمَا إنك إن شئت أخبرتك بما قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قومك وقومه، فقرأتُ خمسين آية من سورة مريم، فقال عبدالله: كيف ترى؟ قال: قد أحسن، قال عبدالله: ما أقرأ شيئًا إلاَّ وهو يقرؤه، ثم التفت إلى خباب وعليه خاتم من ذهب، فقال: ألَم يَأْنِ لهذا الخاتم أن يُلقى؟ قال: أمَا إنك لن تراه عليَّ بعد اليوم، فألقاه"، ورواه أحمد والشاشي.
فقد ثَبَتَ بهذه المنقبة العظيمة أنَّ قراءة علقمة مثل قراءة ابن مسعود.
وعلقمة قراءته كانت مُتضمنة للمعوذتين.
كذلك أخذ الأسود بن يزيد القراءة عن ابن مسعود.
أخذ القراءة عرضًا على ابن مسعود، وهو ما يعني المصحف كاملاً، وقد ثبت عنه أنَّه كان يقرأ ويُقرئ المعوذتين، فعمَّن أخذهما ولم يأخذ إلاَّ عن ابن مسعود؟
¥