- صلَّى الله عليه وسلَّم - سألتها: عَمَّ سارَّك؟ قالت: ما كنتُ لأفشي على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - سِرَّه، فلما توفي، قلت لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما أخبرتني، قالت: أمَّا الآن فنعم، فأخبرتني قالت: أمَّا حين سارَّني في الأمر الأول، فإنَّه أخبرني أنَّ جبريل كان يُعارضُه بالقرآن كلَّ سنة مرة، ((وإنه قد عارضني به العام مَرَّتين، ولا أرى الأجل إلاَّ قد اقترب، فاتَّقي اللهَ واصبري، فإني نعمَ السلفُ أنا لك))، قالت: فبكيت بكائي الذي رأيتِ، فلما رأى جَزَعي، سارَّني الثانية، قال: ((يا فاطمة، ألاَ تَرْضَيْنَ أنْ تَكوني سيدةَ نساء المؤمنين أو سيدةَ نساء هذه الأمة))، واللفظ للبخاري.

ولهذه العرضة الأخيرة - وكانت في رمضان - مَكانة خاصَّة؛ إذ إنَّها تضمنت السورَ، وترتيب الآيات فيها، وعزل المنسوخ من القراءة عن القرآن، وكذلك تضمنت الأحرف السبعة.

وقد ذهب غيرُ واحد أنَّها تضمنت ترتيبَ السور، كما هو مرتب الآن في المصحف العثماني.

ومن قيمة هذه العرضة أنها كانت الأساس في جَمْع المصاحف، والأساس الذي استقر إجماع الصحابة على قبول القراءة.

ينبغي أن نفهم أمرًا من هذه العرضة الأخيرة، وهو استقرارُ السور والآيات عليها وبعدها، بمعنى أنَّه ما نسخت هذه العرضة لا في حروفها، ولا في سورها، ولا في ترتيبها، وإن كان نزل قرآن بعدها، مثل آية البقرة التي هي آخر ما نزل من القرآن، نزلت قبل وفاة النبي - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - ببضع ليالٍ، وآية المائدة: اليوم أكملت لكم ... الآية، التي نزلت يوم عرفة يوم جمعة في حجة الوداع، ومن البدهي أن النبي - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - ما استقبل رمضانَ بعد تلك الحجة.

وآية الربا وآية الكلالة، وهما نزلتا بعد حجة الوداع.

وهذا القرآن كان النبي - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - يقول في آياته: ضعوها في سورة كذا بين كذا وكذا.

وعلى أساس الترتيب للآيات والسور في هذه العرضة، كان الجمعان اللَّذان قام بهما الراشدان أبو بكر وعثمان، كما اعتمدا حروفَ القراءة فيهما عند كتابة المصحف، وصار ما سبق هذه العرضة مَنسوخًا من القرآن الكريم.

وقد جاء خَبَرُ هذه العرضة من حديث أبي هريرة وابن عباس وغيرهما.

وقد كانت قراءة ابن مسعود هي القراءة الأخيرة، وقد حضر العرضة الأخيرة، وعلم ما بدل وما نسخ، وكانت قراءته سواء مع قراءة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وهي مساوية لقراءة زيد بن ثابت، كما سنثبته في مبحثنا هذا.

العرضة الأخيرة شرط قبول القراءة بإجماع الصحابة:

أدلة ذلك حديثُ جمع المصحف على عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -:

بَوَّب البخاري بابًا في كتابِ فضائل القرآن؛ قال: "باب جمع القرآن؛ حدثنا موسى بن إسماعيل، عن إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق أنَّ زَيْدَ بن ثابت - رضي الله عنه - قال: أرسل إلَيَّ أبو بكر مَقْتَلَ أهلِ اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر - رضي الله عنه -: إنَّ عُمَرَ أتاني، فقال: إنَّ القتل قد استَحَرَّ يومَ اليمامة بقُرَّاء القرآن، وإنِّي أخشى أن يستحر القتلُ بالقراء بالمواطن، فيَذهب كثيرٌ من القرآن، وإنِّي أرى أن تأمُر بجمع القرآن، قلت لعمر: كيف تفعل شيئًا لم يفعله رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال عمر: هذا والله خَيْر، فلم يَزَلْ عمر يُراجعني، حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر.

قال زيد: قال أبو بكر: إنَّك رجل شابٌّ عاقل لا نتَّهمك، وقد كنت تكتب الوحيَ لرسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فتتبع القرآنَ فاجمعه، فوالله، لو كلفوني نَقْلَ جبلٍ من الجبال ما كان أثقلَ عَلَيَّ مِمَّا أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلون شيئًا لَم يفعله رسولُ الله؟ قال: هو والله خير، فلم يَزَلْ أبو بكر يُراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُبِ واللِّخَاف وصُدور الرجال، حتى وجدت آخرَ سورةِ التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التوبة: 128].

حتى خاتمة براءة فكانت الصُّحف عند أبي بكر، حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر - رضي الله عنه".

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015