ـ[القارئ المليجي]ــــــــ[25 - عز وجلec-2010, مساء 12:35]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71].
أمَّا بعدُ، فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إنَّ الحديثَ عن كتاب الله - عز وجل - المنزل على محمد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حديث لا تمله القلوب، ولا تشنؤُه النفوس، فبه تصفو القلوب وتلين وترق وتزكو النفوس وتطمئنُّ وبالإيمان تتحقق.
كتاب الله - عزَّ وجلَّ - كتابٌ علا عن الشكوك والرِّيَب، وسَما عن الشبه والشغب، واليقين كل اليقين أنَّه المصدق الصادق عن ربِّ البرية، والخالي من كلِّ عيب ونقص في لفظه ومعناه، لا يأتيه الباطل مِن بين يديه ولا من خلفه، تنزيل مِن حكيمٍ حميد.
يقول السيوطي في "معترك الأقران": "وبيان كون النَّظْم معجزًا يتوقف على بيان نظم الكلام، ثم بيان أنَّ هذا النظم مُخالف لما عداه من النظم".
فنقول: مراتِب تأليف الكلام خَمْس:
الأولى: ضم الحروف المبسوطة بعضها إلى بعض؛ لتحصل الكلمات الثلاث: الاسم، والفعل، والحرف.
والثانية: تأليف هذه الكلمات بعضها إلى بعض، فتحصل الجمل المفيدة، وهو النوع الذي يتداوله الناسُ جميعًا في مُخاطباتهم وقضاء حوائجهم، ويقال له: المنثور من الكلام.
والثالثة: ضم بعض ذلك إلى بعض ضمًّا له مَبَادئ ومقاطع، ومداخل ومخارج، ويقال له: المنظوم.
والرابعة: أن يُعَدَّ في أواخر الكلام مع ذلك تسجيعٌ، ويقال له: السجع.
والخامسة: أن يُجعل له مع ذلك وزنٌ، ويقال له: الشعر.
والمنظوم إما محاورة، ويقال له: الخطابة، وإما مكاتبة، ويقال له: الرسالة، فأنواع الكلام لا تخرج عن هذه الأقسام، ولكل من ذلك نظم مخصوص.
والقرآن جامع لمحاسن الجميع على غير نظم لشيء منها، يدُلُّ على ذلك أنَّه لا يَصِحُّ أن يقال له: رسالة أو خطابة أو شعر أو سجع، كما يصح أن يقال: هو كلام، والبليغ إذا قرع سمعَه، فصل بينه وبين ما عداه من النَّظم.
ولهذا قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41 - 42]؛ تنبيهًا على أن تأليفه ليس على هيئة نَظْم يتعاطاه البشر، فيُمكن أن يغير بالزِّيادة والنقصان، كحالة الكتب الأخرى.
قال: وأمَّا الإعجازُ المتعلق بصرف الناس عن معارضته، فظاهر أيضًا إذا اعتبر، وذلك أنَّه ما من صناعة كانت مَحمودة أو مذمومة، إلاَّ وبينها وبين قوم مناسبات خفيَّة واتِّفاقات فعليَّة؛ بدليل أنَّ الواحد يُؤثِر حرفةً من الحِرَف، فينشرح صدرُه بملابستها، وتُطيعه قواه في مُباشرتها، فيقبلها بانشراح صدر، ويزاولها بقلبه.
فلَمَّا دعا اللهُ أهلَ البلاغة والخطابة الذين يهيمون في كل وادٍ من المعاني بسلاطة لسانهم إلى معارضة القرآن، وعجزوا عن الإتيان بمثله، ولم يقصدوا لمعارضته، فلم يَخْفَ على ذوي البلاغة أنَّ صارفًا إلهيًّا صرفهم عن ذلك.
وأيُّ إعجازٍ أعظمُ من أن يكون البلغاء كافَّة عجزوا في الظاهر عن مُعارضةٍ مصروفةٍ في الباطن عنهم؟
فإن قلت: هل يُعْلَم إعجازُ القرآن ضرورةً أو لا؟
¥