ـ[آمال أبو خديجة]ــــــــ[24 - عز وجلec-2010, مساء 09:35]ـ
سورة الكافرون
تأملات نفسية تربوية اجتماعية
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
صوت الحق يعلو ويصدع بنداء لا رجاجة فيه ولا اضطراب، فلا صوت يعلو فوقه، فالجهر بصوت قوة الاعتقاد الذي انطلق به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليزلزل قلوب الكافرين، إنها صيحة الإيمان الكبرى التي فجرت أفئدتهم بإعلان أن لا إله إلا الله ولا معبود إلا هو ولا وجود في الوجود إلا له سبحانه، وإعلان الاستحالة في أن يساوم على عبوديته وتوحيده في شيء، إنه القول الشديد الذي نطق به لسان أشرف الخلق محمد رسول الله، بكفر الكافرين وإصباغ تلك الصفة عليهم حتى أصبحت تشكيلة من كينونتهم الذاتية، ثم الإعلام باستحالة أن يدخل الإيمان في قلوبهم، فكان ذلك من دلائل معجزاته عليه الصلاة والسلام وصدق نبوته، إنها سورة البراءة من كل ما سوى الله وإعلان العبودية والاستسلام والاعتقاد لله وحده، إنه الإشهار الذي ظهرت به سمات الشخصية المتعنتة التي اختارت بإرادتها طريق الضلال والظلمة والبعد عن إشراق نور الإيمان والبصيرة، فجعلت ذلك النهج سبيلها، فقضى الله عليها بنفي صفة الإيمان والاهتداء عنها وذلك لغشاء القلوب وتغليفها بشوائب الكفر والإنكار.
يأتي نداء الله ورسوله بصوت يهز أفئدتهم، ويطرق أذانهم بالمناداة عليهم بلقب يستفزهم ويثير غضبهم ويعيدهم للحقيقة التي يعيشونها، خطاب وُجه ليعلن تعدد ملة الكفر وتشتتها وتنوعها، فجاء الخطاب للكافر وبصيغة الجمع، أما العبودية والتعبد المنسوبة لرسول الله جاءت بصيغة المفرد مما يدل على توحيد الله وحده وأن لا عبودية ولا استسلام إلا لله، كما يبين حقيقة التحدي الذي جاء من مجموع هؤلاء الكافرين ضد دعوة الرسول صلى الله عليه والسلم التي سارت على منهج واحد لا عوج فيه ولا تقصير.
فالكفر كما جاء في اللغة هو التغطيةُ. وقد كفرْتُ الشيءَ أكْفِرُهُ بالكسر كَفْراً، أي سَتَرْتُهُ. ورمادٌ مكفورٌ، إذا سفَت الريحُ الترابَ عليه حتَّى غطته والكَفْرُ أيضاً: القبرُ. ومنه قيل: " اللهم اغفر لأهل الكُفورِ ". والكَفْرُ أيضاً: ظُلْمَةُ الليل وسوادُه. والكافِرُ: الليل المظلم، لأنه ستر كلَّ شيء بظلمته. والكافِرُ: الذي كَفَرَ درعَه بثوبٍ، أي غطّاه ولبسَه فوقه. وكلُّ شيء غَطَّى شيئاً فقد كَفَرَه.
العَبْدَ: خلاف الحُر وأصل العُبودِيَّةِ الخضوعُ والذلُّ. والتعبيدُ: التذليلُ يقال: طريقٌ مُعَبَّدٌ. والبعير المُعَبَّدُ: المهنوءُ بالقَطِران المُذَلَّلُ. والمُعَبَّدَةُ: السفينةُ المُقَيَّرَة،والعِبادة: الطاعةُ. والتَعَبُّدُ: التَنَسُّكُ. والتعبيد، من قولهم: ما عَبَّدَ أن فعل ذاك، أي ما لبث. وحكى ابن السكيت: أُعْبِدَ بفلان، بمعنى أُبْدِعَ به، إذا كلَّتْ راحته أو عَطِبَتْ. أبو زيد: العَبَدُ بالتحريك: الغضبُ والأنَفُ. والاسم العَبَدَةْ مثل الأنَفَةِ. وقد عَبِدَ، أي أَنِفَ.
فبداية النداء بقول الله سبحانه
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)
عندما ينحرف العقل في اعتقاداته وتفكيره فينسب للأشياء ما لا تقدر عليه وما ليس من صفاتها، فيصبح الإنسان يستمد قوته الروحية والإيمانية من أشياء لا تعقل ولا تقدر على إعالة نفسها وحمايتها رغم المعرفة بأنها جمادات ساكنه لا روح ولا حياة فيها، ورغم أن الله بين المنهج والسلوك القويم الذي يعين الإنسان على تربية نفسه وسلوكه بعيدا عن ذلك الضلال والتشوه في الاعتقاد، لكنها النفس المتمردة المصرة على سلوك منهج التلوي والانحراف والذي سيطبع على الشخصية سمات الكفر والضلال في المنهج والسلوك فتستحق أن تلقب بصفة الكفر تسمية من الله ورسوله، وذلك لاتخاذها ذلك السلوك عادة مستمرة فأصبح سمة من سماتها الشخصية.
¥