قال الدكتور فاضل السامرائي: في القرآن الكريم يقتطع من الفعل على قدر الحدث مثل ذلك قوله تعالى: (تنزل الملائكة) في سورة القدر, فلكون الملائكة تنزل مرة واحدة في العام مثل هذا التنزل, وذلك في ليلة القدر التي تكون مرة واحدة في السنة, قال تنزل بدل تتنزل بتاء واحدة بدل تاءين وفي آية أخرى قال تتنزل بتكرار التاء وهي بنفس معنى تنزل لكنه في سيا ق الإحتضار, وهو تنزل دائم طول العام فزاد التاء في مقام تكرار الحدث مراعاة للمعنى.وهذه لغة عليا في البلاغة مع أنه لغويا يجوز الوجهان, فهو حذف جائز لوجود تاءين في أول الفعل, لكن البليغ لا يحذف لمجرد الحذف. فمع الحدث الأطول أو الأشدأوالأكثرأوالأصعب يتم الفعل, ومع الحدث الأقصرأو الأسهل أوالأقل أو الأيسر يقتطع من الفعل والقاعدة مطردة في القرآن الكريم وأمثلتها كثيرة.ومنه أيضا قوله تعالى: (يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير) قال (تك مثقال حبة من خردل) لم يذكر المكان فحذف نون المضارع, وفي اللغة يجوز حذف هذه النون بشروط معروفة. ثم قال تعالى: (فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض) فلما ذكر المكان ترك النون. ومنه أيضا قوله تعالى: (قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا) ثم قال: (قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا) ثم قال: (ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) فلما فسر له ما ضاق به ذرعا, وبينه ووضحه وأزال المشكل قال (تسطع) , وقبل ذلك كان الإشكال قويا ثقيلا فقال: (تستطع) بزيادة التاء, فقابل الأثقل بالأثقل والأخف بالأخف. وتوجد ألفاظ عديدة أخرى جاءت على هذا الحكم مثل: نبغ-نبغي-توفاهم-تتوفاهم, إذأن البناء الصرفي للكلمات في القرآن يراعى فيه مقتضى الحال والمقام. ومن ذلك أيضا (اخشون-اخشوني) فعندما يظهر الياء يكون التحذير أشد والأمر أكبر. اخشوني قيلت في سياق تبديل القبلة, قال تعالى: (فلا تخشوهم وأخشوني) ذلك أن تبديل القبلة عظم على بعضهم حتى صار فيه ردة. وقال (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون) بحذف الياء. وفي لغة العرب تخفيف الياء جار ومعمول به. ومنه: (أخرتني) الأمر لنفسه فأظهر نفسه, أخرتن: ابليس. مع الطلب الصريح يظهر ياء المتكلم _الطلب الجلل- ومع الإشارة إلى الطلب لم يظهر الياء. ومثله-اتبعن-اتبعني. ومنه قوله (فما اسطاعواأن يظهروه) وهو الصعود إلى أعلاه وقال: (وما استطاعوا له نقبا) بزيادة التاء, لأن حدث النقب أشد وأشق عليهم من الظهور والصعود عليه, فقابل كلا بما يناسبه لفظا ومعنى. ومنه يتذكر الذي فيه تضعيف واحد ويذكر بتشديد الذال والكاف أي بتضعيفين والتضعيف يدل على المبالغة والتكثير والقرآن الكريم يستعمل يتذكر لما فيه طول وقت ويذكر لما فيه مبالغة وشدة وتكثير. انتهى بتصرف من حصة لمسات بيانية.