السبب الأول: أن الحشو على هذا الحد لا معنى له، وهو بهذا لا يرادفهما لاشتراط المعنى التام فيهما بدليل قول ابن فارس: ((إنَّ من سنن العرب أن يعترض بين الكلام وتمامه، كلام لا يكون إلاَّ مفيداً))، ونصّ ابن هشام الأنصاري على ذلك في المغني فقال: ((ولا ينافى ذلك ما قدمناه في تفسير الجملة، لان الكلام هنا ليس في مطلق الجملة، بل في الجملة بقيد كونها جملة اعتراض، وتلك لا تكون إلا كلاما تاما.))

السبب الثاني: أنّ ما مثلوا به لـ (الحشو) لا يُتصور في الاعتراض النحوي؛ لأنه من باب الإفراد، ومعلوم من السبب الأول أن الاعتراض النحوي مشترط فيه تمام الفائدة، وتلك لا تتم إلا بكلام مركب، فليتأمل ذلك.

المذهب الثاني: أن الحشو مرادف لـ (الاعتراض)، وهو المفهوم مما نقله ابن الأثير في الصناعتين فقال: (النوع الثامن عشر في الاعتراض،وبعضهم يسميه الحشو، وحده: كل كلام أدخل فيه لفظ مفرد أو مركب لو أسقط لبقي الأول على حاله. مثال ذلك أن تقول: زيد قائم، فهذا كلام مفيد، وهو مبتدأ وخبر، فإذا أدخلنا فيه لفظا مفردا قلنا: زيد والله قائم، ولو أزلنا القسم منه لبقي الأول على حاله، وإذا أدخلنا في هذا الكلام لفظا مركبا قلنا: زيد على ما به من المرض قائم، فأدخلنا بين المبتدأ والخبر لفظا مركبا، وهو قولنا " على ما به من المرض" فهذا هو الاعتراض، وهذا حده.)

فانظر في كلام ابن الأثير كيف نقل عن العلماء تسميتهم الاعتراض حشواً، ولهذه المرادفة وجه على كلا الاعتراضيين: النحوي، والبياني.

فأما وجه مرادفة كلمة (الحشو) لـ (الاعتراض النحوي) فإنما يتأتّى من جهة تسمية كل ما وقَعَ في الوسط حشواً، وهو على هذا ترادف لغوي أيضا.

وأما وجه مرادفة كلمة (الحشو) لـ (الاعتراض البياني)، فهو إذا كان بمعنى الحاشية؛ لأنها بمعنى الطرف، ومنه تسمية طرف الثوب بالحاشية، وعلة ذلك أنّ الاعتراض البياني إنما يكون تتميماً وتذييلا لكلام تقدمه، فصار كالديباجة له المطرزة على حواشي الأشياء حسية كانت أو معنوية ـ والله تعالى أعلم ـ

الفرق بين الاعتراض والتذييل والتكميل

وهنا لا بد من بيان حد التذييل، والتكميل، عند البلاغيين؛ لما في ذلك من تقريب لمعنى الاعتراض البياني.

أما التذييل فهو أن تأتي بجملة عقب جملة، مع اشتمال الثانية على معنى الأولى للتأكيد ()، ومنه جملة: (إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) في قول الله تبارك وتعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}، ويؤيد هذا إعراب الزمخشري لها على الاعتراض البياني.

ومثلها جملة: (وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) من قول الله تعالى {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}

وأما التكميل فهو أن يؤتى في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفعه، وما يدفع الوهم إما أن يأتي في وسط الكلام أو في آخره كما نص على ذلك السيوطي في عقود الجمان ..

فإن ورد التكميل دافعا للوهم في وسط الكلام نُظِر فيه فإن كان كلاماً واقعاً بين متلازمين رادف في ذلك مع دفعه الوهم الاعتراض النحوي؛ لاستيفائه شرطه، كجملة (وبُلغتها) الدعائية في قول الشاعر

إن الثمانين وبلغتها قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

التي نص البغدادي في خزانته على أنها تكميل؛ لوقوعها بين اسم (إن) وخبرها.

وإن كان التكميل الواقع في وسط الكلام بين متلازمين من باب المفرد وشبهه فلا يرادف الاعتراض النحوي، وإنما يرادف الاعتراض لغة من جهة اعتراضه بين الكلام، كمن قال في: (غير مُفْسِدها) من قول الشاعر:

فَسَقى ديارَكِ غير مُفْسِدها صوبُ الربيع وديمةٌ تَهمي

إنه من باب التكميل في الإيضاح في علوم البلاغة

وإن ورد التكميل في طرف الكلام دافعا لتوهم معنى لولاه لفُهم خلافه، كتنصيص العلماء ـ كما في عقود الجمان ـ على أن (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} عُدّ ذلك من باب الاعتراض البياني؛ لبيانه لمعنى الجملة التي قبله.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين.

حرره طالب في 09/ 07 /1429 ـ 12/ 07 /2008

ـ[أبو البراء الأنصاري]ــــــــ[22 - Jul-2008, صباحاً 11:23]ـ

أجدت وأفدت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015