ضوابط الاعتراض التي تفرق بينه وبين ما يشتبه به

ـ[حامد الأنصاري]ــــــــ[14 - Jul-2008, صباحاً 07:35]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الْحمد لله الذي علَّم القرآن، وخلق الإنسان، وعلمه البيان القائل في محكم كتابه: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)}، وأصلى وأسلم على أفصح الخلق لساناً، وأبلغهم بياناً الذي صحّ عنه أنّه قال: ((إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً))، وعلى آله وصحبه، ومن تبع هداهم إلى يوم الدين.

أما بعد فقد علم فيما تقدَم الفرق بين الاعتراض البياني والنحوي، وهنا نتطرق إلى التفريق بين الاعتراض عامة وبين مصطلحات بيانية يتوهم الناس مشابهتها له عند البيانيين

أولا: الفرق بين الاعتراض والالتفات

للعلماء مذهبان في تعريف الالتفات:

المذهب الأول: أن الالتفات هو انصراف المتكلم عن المخاطبة إلى الإخبار وعن الإخبار إلى المخاطبة وما يشبه ذلك، ومنه قوله تبارك وتعالى: ومنه قوله تبارك وتعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}، فانظر كيف أخبر الله جل وعلا المؤمنين بابتلائه لنبيه إبراهيم عليه السلام على طريق الغيبة ثم صُرِف الأمر إلى إبراهيم عليه السلام على طريق الخطاب.

ومنه قول الله تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}، ألا ترى كيف خاطب الله جل وعلا عباده بنعمة من نعمه عليهم في البر والبحر، ثم حُوّل الخطاب إلى الغيبة في قوله: (وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ).

والالتفات على هذا المذهب لا يمكن أن يترادف مع الاعتراض النحوي؛ لأنه عبارة عن انتقال الخطاب من صيغة لأخرى بينما الاعتراض النحوي يُشترط فيه أن يكون بين متلازمين.

بينما يمكن أن يترادف الالتفات على هذا المذهب مع الاعتراض البياني إن كان الالتفات مؤكدا لمعنى ما قبله في نحو قول الشاعر:

معازيل في الهيجاء ليسوا بزادةٍ مجازيع عند البأس والحرُّ يصبرُ

فقد قال أبوهلال في الصناعتين: (فقوله: والحر يصبر التفات.)، فجملة: (والحرُّ يصبرُ) يصح فيها معنى الاعتراض البياني.

المذهب الثاني: أنّ الالتفات هو: اعتراضُ كلامٍ في كلامٍ لم يتمّ معناه، ثم يعود الشاعرُ إليه فيُتمُّهُ مرّة واحدة، وهو من جيّد الالتفات ()، ومنه قول الشاعر:

إن الثمانين ـ وبلغتها ـ قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

قال ابن رشيق القيرواني في العمدة: (فقوله بلغتها التفات) فانظر كيف جعل جملة: (وبلغتها) الدعائية الاعتراضية التفاتاً، وهي اعتراض نَحوي؛ لوقوعها بين اسم (إن) وخبرها المتلازمين.

ومعلوم مما مُثِّل به ـ هنا ـ أنّ الالتفات على هذا الحد يُرادف الاعتراض النحوي بلا شك بمنطوق ابن رشيق القيرواني ـ والله تعالى أعلم ـ.

الفرق بين الاعتراض والحشو

للعلماء مذهبان في تعريف الحشو:

المذهب الأول: أنّ الحشو: أن تأتي في الكلام بألفاظ زائدة، ليس فيها فائدة ()، وهذا الحد يؤيده المعنى في اللغة، قال ابن سيدة في المحكم: (والحَشْوُ من الكلام: الفضل وما لا يعتد به، وكذلك هو من الناس.).

ومما مثل به القائلين بهذا الحد (الرأس) من قول الشاعر:

نأت سلمى، فعاودني صداعُ الرأس والوصبُ

قال ابن قدامة في نقد الشعر: (فالرأس حشو، لا فائدة فيه؛ لأن الصداع لا يون إلا في الرأس.)

ولا شك أن الحشو على هذا التعريف لا يرادف كلا الاعتراضين: الاعتراض النحوي، والاعتراض البياني لسببين:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015