قال: أخبرني عن قوله تعالى: لقد خلقنا الإنسان في كبد؟ قال:في اعتدال واستقامة.قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال نعم، أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول:

يا عين هلا بكيت أربد إذ * * قمنا وقام الخصوم في كبد

قال:أخبرني عن قوله تعالى: يكاد سنا برقه؟ قال: السنا الضوء. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث يقول:

يدعو إلى الحق لا يبغي به بدلا * * يجلو بوء سناه داجي الظلم

إلخ الحوار وقد جاء في الإتقان للسيوطي.

فخرج الخصم وهو راضٍ بحكم هذا (القاضي العادل).

ومن الفقه:

يقول تعالى: ( ... وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ .. )

فمن أركان الوضوء التي بينتها الآية مسح الرأس ولكن العلماء اختلفوا في المقدار الواجب مسحه على قولين: الأول: مسح بعض الرأس والثاني: جميع الرأس.

وخلافهم نشأ من الخلاف في دلالة (الباء) الفريق الأول يقول: الباء للتبعيض؛ ولهذا نمسح بعض الرأس والفريق الثاني قالوا: إن الباء زائدة.

وهانحن نحتكم إلى القاضي الحكيم فالراجح الذي قال به أئمة العلم ومنهم شيخ الإسلام: أنه القول الثاني ولكن لم يقولوا إن الباء زائدة بل قالوا (إن الباء للإلصاق , وهي لا تدخل إلا لفائدة فإذا دخلت على فعل يتعدى بنفسه أفادت قدرا زائدا كما في قوله تعالى: (عينا يشرب بها عباد الله) فإنه لو قيل: يشرب منها لم تدل على الري فضمن يشرب معنى يروي فقيل يشرب بها فأفاد ذلك أنه شرب يحصل معه الري , وكذلك المسح في الوضوء والتيمم , لو قال: فامسحوا رؤوسكم , لم تدل على ما يلتصق بالمسح فإنك تقول: مسحت رأس فلان , وإن لم يكن بيدك بلل , فإذا قيل: فامسحوا برؤوسكم , ضمن المسح معنى الإلصاق , فأفاد إنكم تلصقون برؤوسكم شيئا بهذا المسح).

ومن الحديث:

وعلم الحديث على قسمين: رواية ودراية.

فأما الرواية وهي: العلم بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله وروايتها وضبطها وتحرير ألفاظها. ولا ريب أن المعرفة اللغوية المتقنة أداة ضرورية في نقد هذا الخطاب , وتنقيحه عما يشوبه من وضع أو كذب أو تحريف لفظي أو دلالي.

وأما الدراية وهي: معرفة القواعد المعرفة بحال الراوي والمروي من حيث القبول والرد.

ولاشك أن للمعرفة اللغوية أثرها في ضبط الراوي لما يرويه.

و لعلي أذكر فائدة قال بها شيخ الإسلام تدل على تعمقه في اللغة واحتكامه إليها.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (يتخرج على معنى الاختصاص الذي يدل عليه اللام حكم شرعي , وهو النهي عن مشاركة الكفار في أعيادهم وذلك مستنبط من قوله عليه الصلاة والسلام: (أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الاحد فجاء الله بنا فهدينا ليوم الجمعة ... ) فإذا نحن شاركناهم في عيدهم يوم السبت أو الأحد خالفنا هذا الحديث , وإذا كان هذا في العيد الأسبوعي فكذلك في العيد الحولي إذ لافرق)

ومن العقيدة:

تنازع الناس في مسألة (هل الاسم هو المسمى أم لا؟) ذهبت الجهمية والمعتزلة والرافضة إلى أن الاسم غير المسمى بناءً على قولهم بخلق الأسماء والصفات , وفي مقابل ذلك ذهبت طائفة من أهل السنة إلى أن الاسم هو المسمى , وهم لا يريدون بذلك أن اللفظ المؤلف من الحروف هو نفس الشخص المسمى به , بل أرادوا من ذلك أن اللفظ (وهو الاسم) هو المراد بالمسمى , فإنك إذا قلت: يا زيد , فليس مرادك دعاء اللفظ بل مرادك دعاء المسمى , فصار المراد بالاسم هو المسمى.

ولنذهب ونحتكم إلى القاضي العادل ..

يرى سيبويه أن الاسم غير المسمى (وقد توهم المتوهمون أن مقصده في ذلك مقصد الجهمية والمعتزلة وليس الأمر كذلك بل هو موافق لأهل السنة)؛ وذلك أن اللفظ (الاسم) المؤلف من الحروف له حقيقة موجودة في اللسان مسموعة بالأصوات متميزة عن المسمى ومنفصلة عنه فلما كان كذلك كان الاسم غير المسمى من هذا الوجه.

وقال ابن القيم وهو يوجه ما ذهب إليه سيبويه: ((اللفظ المؤلف من الزاي والياء والدال مثلا له حقيقة متميزة متحصلة فاستحق أن يوضع له لفظ يدل عليه لأنه شيء موجود في اللسان مسموع بالآذان فاللفظ المؤلف من همزة الوصل والسين والميم عبارة عن اللفظ المؤلف من الزاي والياء والدال مثلا واللفظ المؤلف من الزاي والياء والدال عبارة عن الشخص الموجود في الأعيان والأذهان وهو المسمى واللفظ الدال عليه الذي هو الزاي والياء والدال هو الاسم وهذا اللفظ أيضا قد صار مسمى من حيث كان لفظ الهمزة والسين والميم عبارة عنه فقد بان لك أن الاسم في أصل الوضع ليس هو المسمى ولهذا تقول سميت هذا الشخص بهذا الاسم كما تقول حليته بهذه الحلية والحلية غير المحلى فكذلك الاسم غير المسمى ..

صرح بذلك سيبويه , وأخطأ من نسب إليه غير هذا وادعى أن مذهبه اتحادهما)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015