ـ[مالك بن أنس]ــــــــ[28 - Jun-2008, مساء 05:07]ـ
مقال منقول من موقع الجمعية العلمية السعودية للغة العربية
اللغة العربية على كرسي القضاء
إن العربية لسان الوحي المبين , ولغة التعبد لله رب العالمين. قال تعالى (نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين) وهي لسان أفضل هذه الأمم كلها عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ولقد قال الله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ولن تحصل هذه العبادة إلا أن يتعلم الفرد من العربية ما يقيم به هذا الدين. وهذا فيما يخص عامة الناس , أما طالب العلم فلابد أن يطلب العربية لا على أنها علم آلة فحسب يتوصل بها إلى فهم علوم الشريعة , بل يتشربها فناً فناً على أنها علم قائم بذاته.
وإني متعجب من تزهيد بعض المشايخ! في العربية , وما أكثر ما يكررون (خذ من العربية ما تفهم به الفقه)!!! هذه المقولة السيئة التي أنتجت طلبة علم مقلدين لا يعرفون من الاجتهاد إلا اسمه!! وما مثله هذا إلا كما قال الباري عزوجل: (كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه) , وأعضد كلامي هذا بكلام إمام من أئمة الإسلام هو الإمام الشاطبي؛إذ يقول: (الاجتهاد إن تعلق بالاستنباط من النصوص فلابد من اشتراط العلم بالعربية) ويقول: (إن الشريعة عربية، وإذا كانت عربية؛ فلا يفهمها حق الفهم إلا من فهم اللغة العربية حق الفهم؛ لأنهما سيان في النمط ما عدا وجوه الإعجاز، فإذا فرضنا مبتدئًا في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة، أو متوسطا؛ فهو متوسط في فهم الشريعة والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية، فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة؛ فكان فهمه فيها حجة كما كان فهم الصحابة وغيرهم من الفصحاء الذين فهموا القرآن حجة، فمن لم يبلغ شأوهم؛ فقد نقصه من فهم الشريعة بمقدار التقصير عنهم، وكل من قصر فهمه لم يعد حجة، ولا كان قوله فيها مقبولًا).
ولو حاولنا أن نحصي علماء العالم العربي ونصنفهم حسب مقدرتهم العلمية لعُرِفَ قدر من اعتنى بهذه اللغة العظيمة , ولعرفنا أن أصحاب هذه المقولة هم في ذيل هذه القائمة , ولا نثرب على من يُثْني على العربية وهو معترف بقصوره تجاهها فرحم الله امرأ عرف قدر نفسه. إنما التثريب على من عجز السباحة في بحرها ثم هو يقلل من فائدتها وقديما قيل: (الإنسان عدو ما يجهل) ولهذا المثل ما يصدقه في كتاب الله قال تعالى (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) وقال تعالى (وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم).
وموضوعنا هنا إنما هو شيء قليل من أهمية هذه اللغة وهو اعتلاؤها كرسي القضاء للفصل بين المختلفين , وقد كانت تقضي بين المتخاصمين بشتى فنونهم الدينية. ولعلي أعرض بعض الأمثلة:
فمن التفسير:
ما جاء عن نافع بن الأزرق أنه قال لنجدة بن عويمر قم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن بما لا علم له به (يقصد ابن عباس).فقاما إليه فقالا: إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله، فتفسرها لنا، وتأتينا بمصادقة من كلام العرب.
مع أن ابن عباس إمام المفسرين كلهم إلا أنهما لم يرتضيا منه حتى يحكم القاضي على كلامه.
فقال ابن عباس: سلاني عما بدا لكما. فقال نافع: أخبرني عن قول الله تعالى: (عن اليمين وعن الشمال عزين؟
قال العزون الحِلق الرقاق. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول:
فجاؤوا يُهرعون إليه حتى * * يكونوا حول منبره عزينا
قال:أخبرني عن قوله: وابتغوا إليه الوسيلة قال الوسيلة الحاجة. قال وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت عنترة وهو يقول:
إن الرجال لهم إليك وسيلة * * إن يأخذوك تكحلي وتخضبي
قال: أخبرني عن قوله: شرعة ومنهاجا قال:الشرعة الدين، والمنهاج الطريق. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال نعم، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو يقول:
لقد نطق المأمون بالصدق والهدى * * وبين للإسلام دين ومنهاجا
قال:أخبرني عن قوله إذا أثمر وينعه؟ قال: نضجه وبلاغه. قال وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:
إذا ما مشت وسط النساء تأودت * * كما اهتز غصن ناعم النبت يانع
¥