وكان الأمر قد دُبِّر بليل، فقد انتهز الكسائي هذه الفرصة السانحة وقال: هذه العرب ببابك، وقد جمعتهم من كل أوب، ووفدت عليك من كل صقع، وهم فصحاء الناس وقد قنع بهم أهل المصرين، وسمع أهل الكوفة والبصرة منهم فيحضرون ويسألون، فقال يحيى وجعفر: قد أنصفت، وأمر بإحضارهم.
دخل الأعراب وكان فيهم أبو فقعس، وأبو دثار، وأبو ثروان، فسئلوا عن المسائل التي جرت بينهما فأتت المؤامرة أُكلها، وتابعوا الكسائي على قوله بإجازة الرفع والنصب، فأقبل يحيى على سيبويه فقال: قد تسمع أيها الرجل؟ فانصرف المجلس على سيبويه، فانقطع سيبويه واستكان، وانصرف الناس يتحدثون بهذه الهزيمة التي مُني بها إمام البصريين.
وقال يحيى بن خالد أو الكسائي للرشيد: يا أمير المؤمنين، إن رأيت أن لا يرجع خائباً فعلت، فأمر له بعشرة آلاف درهم، فخرج وصرف وجهه تلقاء فارس، ولم يعرج على البصرة، وأقام هنالك مدةً إلى أن مات كمداً، ويروى أنه ذربت معدته فمات، فيرون أنه مات غماً.
.
أغلب الظن أن وفاة سيبويه لم تكن طبيعية؛ فإنه حين علم أنهم (بعد مناظرة الكسائي) تحاملوا عليه وتعصبوا للكسائي، خرج من بغداد وقد حمل في نفسه لما جرى عليه، وقصد بلاد فارس ولم يعرج على البصرة، وأقام هنالك مدةً إلى أن مات كمداً، ويروى أنه ذربت معدته فمات، فيرون أنه مات غماً كما ذكرنا، وفي مكان وفاته والسنة التي مات بها خلاف عريض، والراجح من الأقوال أن ذلك كان في سنة ثمانين ومائة من الهجرة.
وفي مرضه الذي توفي فيه قيل أنه تمثل عند الموت: (أبيات تكتب بماء الذهب
يؤمل دنيا لتبقى له ... فمات المؤمل قبل الأمل
يربي فسيلا ليبقى له ... فعاش الفسيل ومات الرجل
وقيلت بأبيات أخرى
يؤمل دنيا لتبقى له ... فوافى المنية قبل الأمل
حثيثا يروي أصول الفسيل ... فعاش الفسيل ومات الرجل
ويقال: إنه لما احتضر وضع رأسه في حجر أخيه فدمعت عين أخيه فاستفاق فرآه يبكي فقال:
وكنا جميعا فرق الدهر بينن ... إلى الأمد الأقصى فمن يأمن الدهرا
وقال الأصمعي: رأيت على قبر سيبويه بشيراز هذه الأبيات، وهي لسليمان بن يزيد العدوي:
ذهب الأحبة بعد طول تزاور ... ونأى المزار فأسلموك وأقشعوا
تركوك أوحش ما تكون بقفرة ... لم يؤنسوك، وكربة لم يدفعوا.
قضيا لقضاء وصرت صاحب حفرة ... عنك الأحبة أعرض وتصدعوا
.
ينبغي أن يوقف مع حياة هذا الرجل وقفات عظيمة ... في كثير من الأمور.
وما ذكرته في الموضوع يعتبر شيئٌ يسير في حياة هذا العالم.
ـ[عربي]ــــــــ[30 - Mar-2008, مساء 12:49]ـ
لا يمكن لمن قرأ كتاب سيبويه إلا أن يحب هذا الرجل!
قلتها لشيخي (الذي أرجوا العودة إلى مجلس دروسه بعد غياب قد يطول) يوما فوافقني عليها و قال لي صدقت!
ـ[أبو أحمد العنزي]ــــــــ[02 - صلى الله عليه وسلمpr-2008, صباحاً 12:36]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[محمد عبد الوهاب مصطفى]ــــــــ[02 - صلى الله عليه وسلمpr-2008, صباحاً 11:51]ـ
جزاك الله خيرًا