سيبويه ذهب ليطلب الحديث فتعلم النحو! (أردت عمراً وأراد الله خارجه) __ وفاته!

ـ[أبو أحمد العنزي]ــــــــ[28 - Mar-2008, مساء 03:06]ـ

من أرض فارس قدم سيبويه إلى البصرة، حيث مراكز العلم ومنابر العلوم، وقد كان شابا حسنا جميلا نظيفا مفرط الذكاء، إلا أنه كان فيه حبسة في عبارته.

ومع حداثة سنه فقد انطلق يصحب أهل الحديث والفقهاء حيث ميله ومراده، فكان يستملي على حماد بن سلمة في حلقته ليكتب الحديث ويرويه، ويشاء الله أن يكون لغير ما طلب وما أراد أولا؛ فقد سأل يوماً حماد بن سلمة فقال له: أحدثك هشام ابن عروة عن أبيه في رجل رعُف في الصلاة، بضم العين، فقال له حماد: أخطأت، إنما هو رعَف بفتح العين، فانصرف سيبويه إلى الخليل، فشكا إليه ما لقيه من حماد، فقال له الخليل: صدق حماد، ومثل حماد يقول هذا، ورعف بضم العين لغة ضعيفة.

ثم يتكرر الموقف مرة أخرى، فبينما هو يستملي على حماد قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس من أصحابي إلا من لو شئت لأخذت عليه، ليس أبا الدرداء" فقال سيبويه: ليس أبو الدرداء بالرفع، وقد خمنه اسم ليس، فقال له حماد: لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت، إنما ليس ههنا استثناء، فكان أن أنف سيبويه من ذلك وقد أخذ قراره فقال: "سأطلب علماً لا تلحنني فيه"، فكانت هذه هي البداية!

.

بعد قراره الأخير هذا عمد سيبويه إلى إمام العربية وشيخها الخليل بن أحمد الفراهيدي، لينهل ويتعلم منه عن حب وعزيمة وقوة إرادة، فصار يلازمه كالظل حتى لقد بدى تأثره الكبير بشيخه هذا على طول صفحات كتابه الوحيد وعرضه في رواياته عنه واستشهاداته به.

فلم يمل سيبويه مجالسة الخليل ولم يفتر أو يتكاسل عنه، حتى لقد قال ابن النطاح: كنت عند الخليل بن أحمد فأقبل سيبويه، فقال الخليل: مرحباً بزائر لا يمل، قال أبو عمر المخزومي - وكان كثير المجالسة للخليل: ما سمعت الخليل يقولها لأحد إلا لسيبويه.

ولأجل هذا فقد قيل: إنه نجم من أصحاب الخليل أربعة: عمرو بن عثمان سيبويه، والنضر بن شميل، وأبو فيد مؤرج العجلي، وعلي بن نصر الجهضمي، وكان أبرعهم في النحو سيبويه، وغلب على النضر بن شميل اللغة، وعلى مؤرج العجلي الشعر واللغة، وعلى علي بن نصر الحديث.

ولم يكتف سيبويه بشيخه الخليل بن أحمد في علوم النحو والعربية، بل إنه استزاد من ذلك شأن أقرانه في ذلك الوقت، فتتلمذ أيضا على يد أبي الخطاب المعروف بالأخفش الأكبر، وعيسى بن عمر، ويونس بن حبيب وأبي زيد النحوي وغيرهم.

.

.

بهذه الهمة العالية، وفي هذه السن المبكرة، بز سيبويه وأجاد، فكان أن تعلق من كل علم بسبب، وضرب مع كل أهل أدب بسهم، فبرع وساد أهل العصر، حتى إنه ليروى عن الزراري أبي زيد أنه قال: قال رجل لسماك بالبصرة: بكم هذه السمكة؟ قال: بدرهمان. فضحك الرجل، فقال السماك: ويلك أنت أحمق، سمعت سيبويه يقول: ثمنها درهمان.

.

المناظرة العجيبة هل هي سبب وفاته

ولما كان عليه سيبويه من علو الهمة وتمكن الحال، وثقته بعلمه، فقد قدم إلى العراق على يحيى بن خالد بن برمك، وهو - كما قيل - ابن اثنتين وثلاثين سنة، فسأله عن خبره فقال: جئت لتجمع بيني وبين الكسائي (كبير النحاة الكوفيين)، فقال: لا تفعل؛ فإنه شيخ مدينة السلام وقارئها، ومؤدب ولد أمير المؤمنين، وكل من في المصر له ومعه، فأبى إلا أن يجمع بينهما، فعرف الرشيد خبره فأمره بالجمع بينهما فوعده بيوم.

فلما كان ذلك اليوم غدا سيبويه وحده إلى دار الرشيد، فوجد الفراء والأحمر وهشام بن معاوية ومحمد بن سعدان قد سبقوه، فسأله الأحمر عن مائة مسألة فما أجابه عنها بجواب إلا قال أخطأت يا بصري، فوجم سيبويه وقال: هذا سوء أدب.

ثم وافى الكسائي وقد شق أمره عليه ومعه خلق كثير من العرب، فلما جلس قال له: يا بصري، كيف تقول: خرجت وإذا زيد قائم؟ قال: خرجت وإذا زيد قائم، قال: فيجوز أن تقول: خرجت فإذا زيد قائماً؟ قال: لا.

قال الكسائي: فكيف تقول: قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزُّنبُور (الدبور)، فإذا هو هي، أو فإذا هو إياها؟ فقال سيبويه: فإذا هو هي، ولا يجوز النصب، فقال الكسائي: لحنت؛ العرب ترفع ذلك كله وتنصبه، وخطأه الجميع، ودفع سيبويه قوله وأنكره، فقال يحيى بن خالد وكان وزيرًا للرشيد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما، فمن يحكم بينكما وهذا موضع مشكل؟

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015