إتحاف الأنيس بخلاف العلماء في دلالة (لا) النافية على الوحدة أو الجنس

ـ[حامد الأنصاري]ــــــــ[06 - Jul-2007, مساء 10:04]ـ

إتحاف الأنيس بخلاف العلماء في دلالة (لا) النافية على الوحدة أو الجنس

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فاستجابة لوعد قطعته في طرح المسائل المشكلة في العربية فهذا بحث في خلاف العلماء في دلالة النكرة بعد (لا) النافية على نفي الجنس أو الوحدة أحببت أن أكتب هذا المبحث ليستفيد منه عموم طلبة العلم لعل الله جل وعلا يجعل ذلك ذخرا لنا يوم الدين.

من قواعد علماء اللغة والأصول أنّ النكرة في سياق النفي من ألفاظ العموم ([1])، لكن وإن كان هذا القول موافقاً لقول علماء اللغة في الدلالة على عموم النكرة متى وقعت بعد أداة من أدوات النفي إلا أنّ بعضهم له في ذلك ثلاثة مذاهب:

الْمذهب الأول: التفريق بين كون النكرة بعد (لا) النافية للجنس، وبين كونها بعد (لا) العاملة عمل ليس، فمع (لا) النافية للجنس تكون النكرة نصاً في الدلالة على استغراق الجنس، ومع (لا) العاملة عمل (ليس) تحتمل النكرة استغراق الجنس وعدمه، وهو الدلالة على الوحدة، وقال بهذا جمعٌ من علماء النحو، والأصول، والتفسير ([2]).

المذهب الثاني: عدم التفريق، وهو مفهوم قول الأصوليين؛ لعموم قولهم: النكرة في سياق النفي من ألفاظ العموم، وصرّح بهذا بعض النحاة والأصوليين ([3]).

الْمذهب الثالث: أن (لا) العاملة عمل (ليس) لا تأتي إلا لنفي الوحدة، وهذا الْمذهب قال به الحريري في درة الغواص ([4]).

الراجح ـ والله تعالى أعلم ـ الْمذهب الثاني؛ لعدة أوجه:

الوجه الأول: وقوع النكرة في سياق النفي يقتضي العموم مطلقاً، والتفريق بين أدوات النفي في ذلك فيه تكلفٌ لا يخفى، ولهذا قال الشوكاني: ((وقد فرق بعضهم بين حروف النفي الداخلة على النكرة بفرق لا طائل تحته.)) ([5]).

الوجه الثاني: أن قولهم: إن النكرة الواقعة بعد (لا) العاملة عمل (ليس) تَحتمل الاستغراق وعدمه، هذا أمرٌ راجعٌ لقصد الْمتكلم فقد يُرادُ بالنكرة بعد (لا) النافية للجنس ـ أيضاً ـ هذا الْمعنى، ولِهذا قال ابن أمير حاج ([6]): (((لا رجلَ) ـ بالتركيب ـ غاية أمره أنَّ دلالته على الاستغراق أقوى مِن دلالة (لا رجلُ) ـ بالرفع ـ، وفي كل منهما يَجوز أن يعتبر فِي نفي الْجنس قيد الوحدة فيقال: (بل رجلان).)) ([7])، ونقَل الزَّرْكَشِيّ فِي كتابه البرهان عن ابن الْحاجب قوله: ((ما قاله الزمَخشري لا يستقيم، ولا خلاف عند أصحاب الفهم أنه يستفاد العموم منه كما في الْمبنية على الفتح، وإن كانت الْمبنية أقوى في الدلالة عليه إما لكونه نصاً، أو لكونه أقوى ظهوراً، وسبب العموم أنها نكرة في سياق النفي فتعم.)) ([8]).

وعلى هذا فقرينة السياق هي التي تجعل النكرة دالة على الْجنس، أو الوحدة بعد النفي، فمَن أراد بالنفي نفي الفرد، كانت النكرة عنده تدل على ذلك، ومَن أراد بالنفي نفي الْجنس كانت النكرة تدل عنده على ذلك.

الوجه الثالث: دلالة النكرة على الوحدة يقتضي معنى البعضية الْمنافي لِمعنى العموم، ومِن ثَمَّ فدلالة النكرة على الوحدة يَحتاج إلى قرينةٍ خاصةٍ تدل عليه في سياق الكلام؛لِمخالفتها للأصل الذي تدل عليه النكرة الواقعة بعد النفي.

الوجه الرابع: أنّ مجيء آياتٍ كثيرة في كتاب الله عزوجلّ بقراءات متواترة وردت النكرة في بعضها منصوبة بعد (لا) النافية للجنس، ووردت النكرة في بعضها الآخر مرفوعة بعد (لا) العاملة عمل (ليس) يقتضي أن تدل فيها النكرة على العموم؛ لأنه يستحيل التضاد بين القراءات، قال أبوعمروٍ الداني: ((وجملة ما نعتقده من هذا الباب …أن هذه الأحرف السبعة المختلف معانيها تارة وألفاظها تارة مع اتفاق المعنى ليس فيها تضاد ولا تناف للمعنى ولا إحالة ولا فساد.)) ([9]).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015