ـ[حامد الأنصاري]ــــــــ[12 - Jun-2007, صباحاً 11:00]ـ
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد فهذه سلسلة أردت في تحريرها إزالة الإشكال عن مسائل يُتوهم فيها الإشكال، والله أسأل أن يعينني على ما أردت فهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل
المسألة الأولى: الفرق بين اللام الاستغراقية والعهدية الذهنية
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فاستجابة لوعد قطعته لسائل أشكل عليه الفرق بين (أل) الاستغراقية، و (أل) العهدية الذهنية أحببت أن أكتب هذا المبحث ليستفيد منه عموم طلبة العلم لعل الله جل وعلا يجعل ذلك ذخرا لنا يوم الدين.
فأقول مستعيناً بالله:
العلماء على أن الاسم المُحَلَّى بـ (أل) من الْمعارف قال سيبويه في الكتاب: ((فالمعرفة خمسة أشياء: الأسماء التي هي أعلام خاصة، والمضاف إلى المعرفة إذا لم ترد معنى التنوين، والألف واللام، والأسماء المبهمة والإضمار.)) ()، ولم أطلع على أحدٍ خالَف سيبويه في عده الاسم المُحَلَّى بـ (أل) من المعارف، وأقوال المتقدمين والمتأخرين تدل على إجماعهم على ذلك ـ والله تعالى أعلم ـ.
ومن المعلوم أن حد المعرفة عند العلماء: هو ما دلّ على شيء بعينه.
لكن يُشْكِلُ على بعض طلبة العلم أنّ الاسم المُحَلَّى بـ (أل) مع أنّ العلماء عدوه معرفة إلا أن علماء الأصول عدوا: المعرف بـ (أل) الجنسية منه مفرداً كان أم جمعاً من ألفاظ العام () كلفظة: (الإنسان) من نحو قول الله تبارك وتعالى: (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) [النساء: 28]، ولفظة: (المتقين) من قول الله جل جلاله: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ) [المرسلات: 41]
والعام لغة: ((عبارة عن إحاطة الأفراد دفعة)) ()
واصطلاحاً: ((هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد، كقولنا: (الرجال) فإنَّه مستغرق لجميع ما يصلح له.)) ()، وقيل: هو ((كلُّ لفظٍ عم شيئين اثنين فصاعداً على وجهٍ واحدٍ لا مزيةَ لأحدِهما على الآخر.)) ().
ويُذهِب هذا الإشكال قول العكبري في اللباب: ((والْمعرفة ما خصَّ الواحد بعينه إمّا شخصاً من جنس كـ (زيد، وعمرو)، وإمّا جنسا كـ (أسامة) للأسد، و (ابن قترة) لضرب من الحيات.)) ().
وتوضيح هذا أن يُقال: إن هذا المعين إما أن يكون جنساً، ووجه تعينه تميزه عن بقية الأجناس الأخرى، وإما أن يكون واحداً من الجنس، ووجه كونه معرفة تَميزه عن بقية أفراد الْجنس، ذلك أنّ التعيُّن في الاصطلاح هو: ((ما به امتياز الشيء عن غيره بحيث لا يشاركه فيه غيره.)) ().
وهذا الشيء الْمميز عن غيره إما أن يكون جنساً شاملاً لِجميع أفراده؛ لكنَّه متميزٌ عن بقية الأجناس، وإما أنْ يكون فرداً معيناً لا يختلط بغيره من أفراد الجنس.
ومَن تأمل أحوال (أل) بان له أنّها لا تكون عهدية خارجية () دالة على شخص معين إلا بقرينة لفظية أو معنوية، كقرينة صرف كلمة (الرسول) إلى العهدية في قوله تبارك وتعالى: (فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً) [المزّمِّل: 16]، فكلمة (فرعون) قرينة على كون (الرسول) موسى عليه السلام؛ لكونه مُرسَلاً إليه وقومه، وإلا كانت (أل) جنسية تدل على تعيين الْجنس، وعليه فالأصل في (أل) تعريف الْجنس لا تعريف الشخص؛ لاحتياجه لقرينة تدل عليه.
والعلماء قاطبة متفقون على كون الْمعرَّف بـ (أل) معرفة لفظاً ومعنىً إذا وُجِدت فيه قرينة مِن قرائن العهدية الْمشَخِّصة له،كلفظة (الفيل) من قوله تبارك وتعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) [الفيل: 1] فـ (الفيل) ـ هنا ـ معهود معروف؛ لأنّ قرينة القصة تدل على أنّه (الفيل) الذي جيء به؛ لِهدم الكعبة فعاقب الله جلّ وعلا فَعَلَةَ ذلِك بِما ذُكِرَ في سورة الفيل.
واتفقوا على كونِ الْمعرَّف بـ (أل) الْجنسية معرفةً لفظاً واختلفوا في كونه معرفة معْنىً على مذهبين: ـ
المذهب الأوَّل: أنه مَعْرِفةٌ لفظاً ومعنىً، وهو مذهب جمهور علماء النحو والأصول واللغة كما نقل ذلك أبوالْوَلِيد الْبَاجِي في إحكام الفصول ().
¥