قال ابنُ يعيش في " شرح المفصّل ": " قد تقدم القول أنَّ المصدرَ هو المفعولُ في الحقيقةِ، فإذا قلتَ قامَ زيدٌ، وفعلَ زيدٌ قياماً، كانا في المعنى سواءً، ألا ترى أنَّ القائلَ إذا قالَ: من فعل هذا القيامَ؟، فتقولُ: زيدٌ فعلهُ، والمفعولُ بهِ ليس كذلكَ، ألا ترى أنّكَ إذا قلتَ: ضربتُ زيداً، لم يصحَّ تعبيرهُ بأن تقولَ: فعلتُ زيداً، لأنَّ زيداً ليسَ ممّا تفعلهُ أنتَ، وإنّما أحللتَ الضربَ بهِ " انتهى 1/ 124.

وقال عبدُ القاهرِ الجرجانيُّ في كتاب " المقتصدِ ": " ألا ترى أنّكَ إذا قلتَ: قمتُ قياماً، كنتَ قد أخرجتَ القيامَ من العدمِ إلى الوجودِ، وفعلتهُ على الحقيقةِ، وليس كذلك سائرُ المفعولاتِ، ألا ترى أنّكَ إذا قلتَ: ضربتُ زيداً، لم تكنْ قد أخرجتَ من العدمِ إلى الوجودِ شيئاً من زيدٍ، وإنّما هو خلقُ اللهِ تعالى البتّةَ، وإنّما أوقعتَ بهِ أمراً، ولذلك قيلَ: المفعولُ بهِ، ألا ترى أنّكَ عملتَ بهِ الضربَ، ويعلمُ ضرورةً أنَّ المفعولَ على الحقيقةِ ما أخرجهُ الفاعلُ من العدمِ إلى الوجودِ، والمصدرُ بهذهِ الصفةُ، وإذا كان كذلك سُمّيَ المطلقَ " انتهى 1/ 580.

فهذان إمامان من أئمّةِ اللغةِ والنحْوِ، سبقا ابنَ هشامٍ في تعليلِ المفعولِ المطلقِ، غيرَ أنّهما قيّداهُ بالمصدرِ، وأمّا ابنُ هشامٍ فقد طرد أصلهما، وأعملَ قولهما بإطلاقٍ، وألزمَ النحاةَ بهِ، بل خطّأهم في إعرابَ مثلِ ما أوردتهُ من العبارةِ الواردةِ في السؤالِ على أنَّ " بيتاً " مفعولٌ به، فقالَ في " مغني اللبيبِ ": قولُهم في نحْوِ: ((اللهُ الذي خلقَ السمواتِ والأرضَ))، إنَّ السمواتِ مفعولٌ بهِ، والصوابُ أنّهُ مفعولٌ مطلقٌ، لأنَّ المفعولَ المطلقَ ما يقعُ عليهِ اسمُ المفعولِ بلا قيدٍ، نحْوَ قولكَ: ضربتُ ضرباً، والمفعولُ بهِ ما لا يقعُ عليهِ ذلكَ إلا مقيّداً بقولكَ: " بهِ "، كضربتُ زيداً، وأنتَ لو قلتَ: السموات مفعولٌ، كما تقولُ: الضربُ مفعولٌ، كان صحيحاً، ولو قلتَ: السمواتُ مفعولٌ بهِ، كما تقولُ: زيدٌ مفعولٌ بهِ، لم يصحَّ ".

ثمَّ قالَ: " إيضاحٌ آخرُ: والمفعولُ بهِ ما كانَ موجوداً قبل الفعلِ الذي عمِلَ فيهِ، ثمَّ أوقعَ الفاعلُ بهِ فعلاً، والمفعولُ المطلقُ ما كانَ العاملُ فيهِ هو فعلُ إيجادهِ ... وكذا البحثُ في " أنشأتُ كتاباً "، و " عملَ فلانٌ خيراً " و " آمنوا وعملوا الصالحاتِ " انتهى 6/ 578 - 581.

ألا يلزم من هذا الكلام (لاسيما كلام ابن هشام في النقل قبل الأخير) كون إعراب ((بيتاً)) في سؤالكم بأنه ((مفعول به)) غير صحيح، فيكون للإعراب وجه واحد أنه ((مفعول مطلق))؟!!!

ولو تكرمت سؤال آخر شيخنا الحبيب: قولك: ((غيرَ أنّهما قيّداهُ بالمصدرِ، وأمّا ابنُ هشامٍ فقد طرد أصلهما، وأعملَ قولهما بإطلاقٍ)) ما وضح لي تماماً، فهلا تكرمت بشرح الفرق بين تقييده بالمصدر ومذهب ابن هشام في إعمال القول بإطلاق؟!!!

وجزاكم الله خيراً، واعذروني لقلة علمي وفهمي

ـ[فتى الأدغال]ــــــــ[21 - Jul-2007, مساء 05:12]ـ

ألا يلزم من هذا الكلام (لاسيما كلام ابن هشام في النقل قبل الأخير) كون إعراب ((بيتاً)) في سؤالكم بأنه ((مفعول به)) غير صحيح، فيكون للإعراب وجه واحد أنه ((مفعول مطلق))؟!!!

ولو تكرمت سؤال آخر شيخنا الحبيب: قولك: ((غيرَ أنّهما قيّداهُ بالمصدرِ، وأمّا ابنُ هشامٍ فقد طرد أصلهما، وأعملَ قولهما بإطلاقٍ)) ما وضح لي تماماً، فهلا تكرمت بشرح الفرق بين تقييده بالمصدر ومذهب ابن هشام في إعمال القول بإطلاق؟!!!

وجزاكم الله خيراً، واعذروني لقلة علمي وفهمي

أهلاً بالحبيبِ.

لا شكَّ أنَّ ابن هشامٍ - رحمهُ اللهُ - اختارَ كونها مفعولاً مطلقاً بإطلاقٍ، فهذا وجهٌ آخرُ، وخالفهُ الجمهورُ فأعربوها مفعولاً بهِ، فصار للإعراب من هذا الوجهِ قولانِ.

أمّا الفرقُ بين كلامِ ابن هشامٍ - رحمهُ اللهُ - ومخالفيهِ فهم يرون أنَّ المفعولَ المطلقَ لا بدَّ أن يكونَ مصدراً من المصادرِ، مثالُ ذلكَ أن تقولَ: ضربَ زيدٌ ضرباً، وأكلَ عمروٌ أكلاً، وهلمّا جرّا، وهم لا يجوّزون وقوعَ المفعولَ المطلقِ في غيرِ المصدرِ، وهذا ما خالفهم فيه ابنُ هشامٍ، فرأى أن المصدر وغيرهُ ممّا يدلُّ على الفعلِ دون قيدٍ فإنه يعرب مفعولاً مطلقاً، فسواءٌ عندهُ: أكلَ زيدٌ أكلاً، وبنى زيدٌ بيتاً، فكلا المنصوبين الواقعين بعد الفاعلِ يعربانِ مفعولاً مطلقاً.

أرجو أن يكون الجوابُ ظاهراً لكَ.

ـ[يوسف الجوارنة]ــــــــ[19 - Mar-2009, مساء 10:25]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم شكرا لك ... بارك الله فيك ... الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قإن الجملة تحتمل توجيهين: الأول: فعل وفاعل ومفعول به، وهو مذهب جمهور النحويين طردًا للباب على وتيرة واحدة.

الثاني: فعل وفاعل ومفعول مطلق، وذلك لأنّ هذا الفعل عام، والبيت تمّ إنشاؤه من العدم لم يقع عليه فعل الفاعل، ومثل الجملة قولك: أنشأت كتابًا، وخلق الله السمواتِ ... وهو مذهب الأصوليين ومنهم الإمام تقي الدين السبكي.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015