ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[05 - صلى الله عليه وسلمpr-2007, مساء 04:42]ـ

وهذا كلام نفيس للإمام الجليل (الخليل بن أحمد) عن علل النحو، ولكنه ينطبق أيضا على علم الاشتقاق؛ ذكره أبو القاسم الزجاجي في (إيضاح علل النحو) قال:

(( ... وذكر بعض شيوخنا أن الخليل بن أحمد رحمه الله سئل عن العلل التي يعتل بها في النحو، فقيل له: عن العرب أخذتَها أم اخترعتها من نفسك؟ فقال:

إنَّ العربَ نطقت على سجيتها وطباعها، وعرَفتْ مواقعَ كلامها، وقام في عقولِها عِلَلُه، وإن لم ينقل ذلك عنها، واعتللتُ أنا بما عندي أنَّهُ عِلةٌ لما عللته منه، فإن أكن أصبتُ العلةَ فهو الذي التمستُ، وإن تكن هناك علةٌ غيرُ ما ذكرتُ فالذي ذكرتُه محتمل أن يكون علة، ومَثَلِي في ذلك مثل رجل حكيم دخل دارًا محكمةَ البناءِ عجيبةَ النظمِ والأقسام، وقد صحت عنده حكمةُ بانيها بالخبر الصادق أو بالبراهين الواضحة والحجج اللائحة، فكلما وقفَ هذا الرجل في الدار على شيء منها قال: إنما فعل هذا هكذا لعلةِ كذا وكذا، ولسبب كذا وكذا، لِعِلَّةٍ سنحت له وخطرت بباله محتملة أن تكون علة لتلك، فجائز أن يكون الحكيم الباني للدار فعل ذلك للعلة التي ذكرها هذا الذي دخل الدار، وجائز أن يكون فعله لغير تلك العلة، إلا أن ما ذكره هذا الرجل محتمل أن يكون علة لذلك، فإن سنحَتْ لغيري علةٌ لما علَّلْتُه من النحو هي أليقُ مما ذكرتُه بالمعلول فليأتِ بها)).

قال الزجاجي معلقا:

((وهذا كلام مستقيم وإنصاف من الخليل رحمة الله عليه)).

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[05 - صلى الله عليه وسلمpr-2007, مساء 04:46]ـ

(هل المقصود بالاشتقاق أسبقية المشتق منه على المشتق؟)

هذا قال به كثير من أهل العربية، واحتج به بعضهم في النقاش في مسألة اشتقاق الفعل من المصدر أو عكسه، بل احتج به السهيلي في نتائجه على أن اسم (الله) غير مشتق؛ لأنه لا مادة سابقة عليه يشتق منها!

وأجاب ابن القيم في البدائع بأن هذا الفهم غير صحيح، بل المقصود من الاشتقاق التلاقي في اللفظ والمعنى، وليس المقصود أنها فرع عليها ومتولدة منها.

ومما يؤيد ما ذكرتَه الحديث القدسي المشهور ((قال الله: أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي))، ومع ذلك تجد أهل العلم أحيانا يقولون: الرحمن مشتق من الرحمة!

قال الزمخشري: ((معنى الاشتقاق أن ينتظم الصيغتين فصاعدا معنى واحد)).

وبهذا الجمع ينحل لك كثير من الإشكالات التي تجدها في كلام أهل العلم بأن كذا مشتق من كذا، فلا يلزم من ذلك أنهم يعنون أسبقية أحد اللفظين على الآخر، بل المراد أنه ينتظمهما معنى واحد كما أشار الزمخشري.

ولذلك تجد أهل العلم أحيانا يشيرون إلى أن اللفظ المحسوس مشتق من المعنى العقلي، وأحيانا يشيرون إلى أن المعنى العقلي مشتق من اللفظ المحسوس، ويشعر القارئ بدأة ذي بديء أن هذا من التناقض والتعارض.

= كما ذكروا مثلا أن اشتقاق آدم من أديم الأرض، مع أنهم ذكروا أن النار مشتقة من نار ينور إذا تحرك واضطرب.

= وذكروا أن المراء مشتق من مري الناقة، مع أنهم ذكروا أن المشاجرة مشتقة من الشجرة لاشتجار أغصانها.

= وذكروا أن البعوض مشتق من البَعْض وهو القطع، مع أنهم قالوا: قردوس (قبيلة) مشتق من القردسة وهي الصلابة!

فهذه الأقوال ظاهرها التعارض، ولكن يجمع بينها ما سبق ذكره، وهو أن المراد بالاشتقاق أن كلا اللفظين يرجعان إلى أصل ومعنى ينتظمهما معا فيندرجان في سلك واحد.

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[05 - صلى الله عليه وسلمpr-2007, مساء 04:46]ـ

وكثيرا ما تجد أهل العلم يتطرقون بتوسع شديد لمسائل الاشتقاق في غير مظنتها، وهذه مُثُلٌ من ذلك:

= (ق و ل) في مقدمة الخصائص لابن جني

= (ح ر ف) في مقدمة سر الصناعة لابن جني

= (ع ر ب) ذكر الوزير المغربي في أوائل (أدب الخواص) فيها ثلاثة عشر قولا!

= (ع ج م) في مقدمة سر الصناعة أيضا.

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[05 - صلى الله عليه وسلمpr-2007, مساء 04:47]ـ

(أقسام الاشتقاق)

= الاشتقاق الأصغر:

وهو الاشتقاق في المادة الواحدة، وهو المشهور عند الإطلاق، وفيه صنفت الكتب المصنفة؛ كالاشتقاق لابن دريد، ومقاييس اللغة لابن فارس وغيرها.

= الاشتقاق الكبير:

وهو الاشتقاق في المادة وتقليباتها، كما صنع ابن جني في مقدمة الخصائص إذ أرجع معاني (ق و ل) وجميع تقليباتها الستة إلى معنى واحد!

= الاشتقاق الأكبر:

وهو الاشتقاق في المواد المتقاربة الحروف، وهو المثال الذي ذكره الرافعي، وهذا يقل ذكره عند أهل العلم، وممن أسرف فيه وأكثرَ: العلامةُ (أنستاس الكرملي) في كتابه (نشوء اللغة العربية ونموها وارتقاؤها).

= الاشتقاق الكُبَّار:

وهذا من زيادات المعاصرين، ويطلقونه على نحت كلمة من كلمتين أو أكثر، والقدماء يجعلون النحت نوعا على حياله، كما في المزهر للسيوطي وغيره.

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[05 - صلى الله عليه وسلمpr-2007, مساء 04:48]ـ

وقد ذكر ابن الأنباري في [لمع الأدلة في أصول النحو] أن النحو مبني على القياس، ولا يتأتى أن يكون كله نقلا؛

ثم قال:

(( ... بخلاف اللغة، فإنها وضعت وضعا نقليا لا عقليا، فلا يجوز القياس فيها، بل يقتصر على ما ورد به النقل، ألا ترى أن (القارورة) سميت بذلك لاستقرار الشيء فيها، ولا يسمى كل مستقر فيه قارورة، وكذلك سميت (الدار) دارا لاستدارتها ولا يسمى كل مستدير دارا))

فهذا الكلام يضاف لما سبق تقريره من أن المراد بالاشتقاق معرفة الأصول والارتباط بين الكلمات، وليس المراد منه إنشاء كلمات جديدة أو معاني مخترعة لألفاظ معروفة.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015