ـ[أبو عبيدة الهاني]ــــــــ[12 - Mar-2007, صباحاً 01:40]ـ
السلام عليكم ورحمة الله تعالى
أخي العوضي، هذا ما وعدتك به من إفراد موضوع حول موقف العلماء من تحديد المصطلحات والبحث فيها، فقد أوردت ملاحظات أردت استيضاحها منك أكثر
قلت:
أولا: لم يعرف التدقيق في المصطلحات عن الصحابة والتابعين وأتباعهم، وإنما عرف عند المتأخرين جدا، وكان السلف يرسلون الكلام إرسالا اعتمادا على فهم المعنى حتى لو لم يكن اللفظ دقيقا، وقد نبه على ذلك عدد من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية.
أقول: في نظري إن البحث في تحديد المصطلحات وبيان ما تحتها من المعاني لخير سبيل لتفادي بعض الأغلاط المبنية على سوء فهم بعض العبارات، فقد تقرر في غير علم أن الاشتراك في المعاني مثلا قد يوقع في سوء الاستنتاج، ولذا يحسن بيان المعاني المرادة في الاستدلالات لتتضح النتائج.
أما عن الاحتجاج على عدم جدوى التدقيق في المصطلحات بأن الصحابة والتابعين لم يعرف عنهم ذلك، فهو في نظري ضعيف لأن ذلك قد يجري في سائر العلوم، فقد كانوا مستغنين بفضل الله تعالى ثم بجودة قرائحهم وسلامة ألسنتهم من تقرير قواعد العلوم واستنباط جزئياتها على نحو ما فعل المتأخرون. ثم في إرسالهم الكلام كانوا قطعا يعتمدون على فهم المعاني المتعارفة بينهم، والمتفق عليها، وتلك هي الغاية من البحث والتدقيق في المصطلحات والتعريفات، وهي رسم المعاني المرادة في الأذهان.
قولك:
ثانيا: إن كان المقصود بالمصطلاحات والحدود مجرد الفهم فلا إشكال في ذلك؛ لأنه لا مشاحة في الاصطلاح، وإن كان المراد بناء الأحكام عليها فهذا خطأ واضح؛ لأن الحد ليس نصا شرعيا ولا أمرا متفقا عليه.
أقول: لا شك أن المراد بالمصطلحات والتعريفات تصوير المعاني وانتقاشها في الأذهان، وبالتالي فهمها، أو البناء لعملية فهمها. أما أنه لا مشاحة في الاصطلاح فمعنى ذلك أنه لا إشكال في اختلاف بعض العبارات إن اتفقنا في أصل المعاني، ولا يخفى أن هذا غير مستمر، ففي بعض الأحيان تختلف العبارات ويكون ذلك سببا في اختلاف المعاني.
أما عن مسألة بناء الأحكام على فهم المصطلحات، فهذا في نظري عين الصواب عند الجميع لأن الحكم فرع فهم المعاني، وهي لا تتميز إلا بالتعريفات - أو الحدود -. أما كون التعريف ليس نصا شرعيا فلا يخالف في ذلك أحد على حد علمي، وكونه ليس أمرا متفقا عليه فكذلك لا يخالف فيه أحد، إذ لكل باحث مصطلحاته وتعريفاته، لكن عليه أن يثبت صحتها، وليس ذلك إلا بتدقيق البحث فيها ودفع ما يرد عليها. نعم في بعض الأحيان يكون فهم النص الشرعي موقوفا على فهم بعض المصطلحات، وذلك لا ينكر.
قولك:
ثالثا: لا يوجد عند أهل العلم حد متفق عليه في شيء من الأشياء على الإطلاق، ولا يسلم لهم حد من اعتراض حتى في أكثر الأشياء شهرة كـ (العلم) مثلا، فقد اختلفوا في حده على خمسة عشر قولا ولا يسلم واحد منها من اعتراض.
أقول: الاختلاف سنة جارية، ولا يلزم من عدم اتفاق أهل العلم على تعريفات موحدة إبطال التفصيل والتدقيق في التعريف، فنحن نعلم أن الحق ثابت وإن اختلف فيه الناس، فكذلك حقائق الأشياء المعرفة ثابتة وإن اختلف تعريف الناس لها، وقطعا ليست كل التعريفات خاطئة. فمثلا العلم له حقيقة، اختلف التعبير عنها، وكل سلك مسلكا خاصا في ذلك على حسب أصوله، وقطعا ليست كلها صحيحة لتناقضها في بعض الأحيان، لكن في البعض الآخر تكون صحيحة مكملة لبعضها البعض، وتتقلص الاعتراضات حتى تكون غير ذات قيمة، فمثلا إذا قلنا إن العلم صفة يتجلى بها المذكور لمن قامت هي به، كان هذا التعريف جامعا مانعا لحقيقة العلم، وكانت الاعتراضات الواردة عليه مدفوعة، وصارت الأحكام المبنية على هذا التعريف أصح.
قلت:
رابعا: عرفنا بالتتبع والاستقراء أن هذه الحدود أوقعت كثيرا من العلماء في الأخطاء؛ لأنهم قد يأخذون هذه الحدود مسلمة عمن سبقهم ثم يعاملونها معاملة النصوص الشرعية من عموم وخصوص وإطلاق وتقييد وغير ذلك فيستنبطون منها ما لعله لم يرد على خاطر من وضع الحد إطلاقا، وهذا معلوم في كثير من العلوم كالنحو وأصول الفقه والقواعد الفقهية وغيرها.
أقول: لا يخفى أن الاستقراء في هذه الأمور لا يكفي، فكما أوقعت التعريفات كثيرا من العلماء في الخطأ قد أدت بكثير من العلماء إلى دقة وصواب الأحكام سواء عقلية أو شرعية، أما أخذها مسلمة فذلك يتراوح من عالم إلى آخر، وليست قاعدة مستمرة، أما معاملتها معاملة النصوص الشرعية فلا أظن ذلك يصدر من عامي فضلا عن عالم، أقصد تقديسها، أما إذا كان المقصود من ذلك الاعتماد على فهمها لحسن فهم النصوص الشرعية فذلك هو المسلك الوحيد بعد الصحابة والتابعين. والله تعالى أعلم.:)
ـ[بن حمد آل سيف]ــــــــ[12 - Mar-2007, صباحاً 02:32]ـ
أخي الكريم أبا عبيدة
هل الموضوع خاصٌ بكما .. حفظكما الله؟
أو تأذنون لنا بالمشاركة فيه.
¥