في الجدل و أنواعه و أحكامه، لأبي عبد المعز - حفظه الله -

ـ[الطيب صياد]ــــــــ[19 - عز وجلec-2010, مساء 12:23]ـ

ذه فتوى لأبي عبد المعز محمد فركوس العاصمي - أعزه الله تعالى - بيَّن فيها معنى الجدل و انقسامه قسمين: جدل محمود، و آخر مذموم، و أعطى لكل قسم أمثلته الشرعية و التاريخية، و أبرز علامات الجدل المذموم و أنه من وضع أهل الهواء المفارقين لمنهج المسلمين الأوائل، على أنه - حفظه الله - ذكر أن المغالطة في القياس أو في مقدماته داخلة في الجدل المذموم، و هذا الجماهير من أهل العلم المثبتين له، و إلا فإنهم - رحمهم الله - قد عقدوا فصولا بل ألفوا كتبا في مسائل القدح، و هي مسائل تابعة لباب القياس، و الاعتراض عليه بشيء من تلك الاعتراضات المذكورة، و منها القويُّ و منها الضعيف.

على كل حال، فإني أحببتُ رفع الفتوى لسببين:

- أحدهما: أنها فتوى جديدة، بل هي آخر فتوى في هذه الأيام.

- و الآخر: أنها تشتمل على فوائد في أدب التعامل مع العلماء، و احترامهم و تبجيلهم، و عدم انتقاصهم أو تسفيههم، فهم حفظة الدين الذين جعلهم الله كذلك.

و هذا نص السؤال الموجه إلى فضيلته:

ما هو حكمُ الجدالِ في الشّرعِ، وهل يُعتبر مِنَ الخصوماتِ؟ وجزاكم اللهُ خيرًا

و هذا نص الفتوى، قال أبو عبد المعزِّ:

الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أمّا بعد:

فالجدلُ هو إظهارُ المتنازعَيْنِ مقتضى نظرتِهما على التّدافعِ والتّنافي بالعبارةِ أو ما يقوم مقامَهما مِنَ الإشارةِ والدّلالةِ، ومعنى ذلك أنّ كلاًّ مِنَ الخصمين يريد أن يكشفَ لصاحبِه صحّةَ كلامِه وحِفْظَ مقالِه، بإحكامِه وتقويةِ حجّتِه وهدمِ مقالِ خصمِه.

والجدلُ بهذا الاعتبارِ قد يكون مأمورًا به شرعًا، وقد يكون منهيًّا عنه، لذلك يتنوّع الجدلُ إلى: محمودٍ ومذمومٍ.

فأمّا الجدلُ المحمودُ فهو: ما يحتاج إليه الدّاعي مع الخصمِ مِنِ استعمالِ المعارضةِ والمناقضةِ؛ قصْدَ بيانِ غرضِه الصّحيحِ وأنّه مُحِقٌّ مِن جهةٍ، وإظهارِ فسادِ غرضِ خصمِه وأنّه مُبْطِلٌ مِن جهةٍ أخرى، وذلك بالحجّةِ والبرهانِ مع تفنيدِ شبهةِ الخصمِ وتهوينِ تعلُّقِه بها.

والجدلُ المحمودُ لا يخرج عن حيّزِ الوجوبِ أو النّدبِ، قال ابنُ تيميّةَ -رحمه الله-: «وأمّا جنسُ المناظرةِ بالحقِّ؛ فقد تكون واجبةً تارةً ومستحبَّةً تارةً أخرى» (1 ( java******:صلى الله عليه وسلمppendPopup(this,' pjdefOutline_1'))).

وقد بوّب ابنُ عبدِ البرّ -رحمه الله- لجنسِ الجدلِ المحمودِ في «جامع بيانِ العلمِ وفضلِه» بابًا بعنوانِ: «إثباتُ المناظرةِ والمجادلةِ وإقامةِ الحجّةِ» (2. ( java******:صلى الله عليه وسلمppendPopup(this,' pjdefOutline_2')))، وذكر فيه جملةً مِنَ الأدلّةِ المفيدةِ لترجمةِ بابِه مِنَ القرآنِ والسّنّةِ، وأحوالِ الأنبياءِ مع أممِهم، ومجادلاتِ الصّحابةِ فيما بينهم، أو فيما بينهم وبين غيرِهم مِن أهلِ المللِ وأهلِ البدعِ، وكذا مناظراتِ العلماءِ بعد الصّحابةِ رضي اللهُ عنهم.

ويمكن ذكرُ بعضِ الأدلّةِ الشّرعيّةِ على هذا النّوعِ مِنَ الجدلِ منها:

- قولُه تعالى: ?ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ? [النحل: 125].

- وقولُه تعالى: ?وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ? [العنكبوت: 46].

ولمّا كان الجدلُ مظِنَّةَ اللَّدَدِ في الخصومةِ أمر اللهُ المؤمنين بالإحسانِ فيه.

- مجادلةُ نوحٍ عليه السّلامُ لقومِه بالحقِّ حتّى استعجلوا العذابَ حين لم تَبْقَ لهم شبهةٌ يتعلّقون بها، قال تعالى حكايةً عن قومِ نوحٍ: ?قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ? [هود: 32].

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015