ـ[صالح الجبرين]ــــــــ[03 - عز وجلec-2010, مساء 02:48]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أمَّا بعد:
{سبحانك لا علم لنا إلاَّ ما علمتنا إنَّك أنتَ العليم الحكيم}، هذا مقالٌ مختصر في فقه الواقع، وما يتعلق به، كتبته على عجالة، وأسأل الله أن ينفع به ..
- (()) -
المسألة الأولى: مفهوم (فقه الواقع):
معنى هذه الكلمة - التي هي (فقه الواقع) -: فهمٌ أو فقهٌ لحقيقة الأمور الواقعة أو الحادثة.
ويتردد هذا الاصطلاح في هذه الأزمنة بكثرة، وربما قال البعض بأنَّه اصطلاحٌ حادث، وهذا غير صحيح لأنَّنا عند النظر في مضمونه نعلم أنَّه صحيح، فهو غير محدث في مضمونه، إذْ هو تأكيدٌ وزيادة بيانٍ وعنايةٍ للفهم والفقه المشروط على المفتي، فمن أنكر شرط الفهمِ للوقائع والحوادث على المفتي، فقد أنكر الصحيح الذي فرضه الله تعالى، وصار مِن أصحاب الأهواء، قال تعالى: {وإنَّ كثيرًا ليُضِلُّون بأهوائهم بغير علم إنَّ ربك هو أعلمُ بالمعتدين}، وقال تعالى: {ولا تقفُ ما ليس لك به علم}، وفي الحديث الصحيح المتفق عليه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الله لا يقبض العِلم انتزاعًا ينتزعهُ مِن العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقَ عالمٌ، اتخذ الناس رؤوسًا جُهالاً، فسُئلوا فأفتوا بغير علمٍ، فضلوا وأضلوا".
- (()) -
المسألة الثانية: عدم فقه الواقع عند المرء له حالتان:
الحالة الأولى: أن لا يكون المرء قادرًا على فهم الوقائع والأحداث فذاك المغفَّل ضعيف العقل قليل العلم والفهم لأحكام الله، فلذلك لا يُطلِقُ العلماء اسم الفقيه على مَن يحفظ الفروع والأحكام دون فهمها، فالفهمُ الصحيح الراسخ هو التأصيل.
وتنزيلُ الحكمِ على الحادثة والواقعة المعيَّنة منوطٌ بفهم ذلك الحكم ومعرفته، في أي حالةٍ يُنزَّل الحكم ومتى، ولو لم يكن مُغفلاً سليم العقل لما تعرَّض أصلاً لما لا يُحسِنُه ويفهمه مِن الأحكام التي نزَّلها في غير مواضعها الصحيحة، فمعرفة الأحكام تقتضي معرفة الحالات والمواضع التي تُنزَّلُ عليها، وتنزيلُ الحكم على الوقائع والحوادث يُشترطُ له فهم هذه الوقائع والحوادث والإحاطةُ بجميع لوازمها، وهذا هو فقه الواقع.
الحالة الثانية: أن يكون عند المرء علمٌ بالأحكام الشرعية ولا يكون عندهُ علمٌ بحقيقةِ واقعةٍ أو حادثةٍ معيَّنة لأسبابٍ شرعيَّة، فيفتي فيها بخلاف الحق، فيُوصف المفتي حينئذٍ بأنَّه لم يفهم تلك القضية أو الواقعة المعيَّنة، ولكن لا يوصف بأنَّه لا يفهم الواقع، وهذا لا خلاف فيه بين العقلاء.
ففي الأصل: لا يكون العالمُ عالمًا أو فقيهًا حتى يكون فاهمًا للواقع فقيهًا به، أمَّا العالِم الذي اجتهد في حادثةٍ وواقعةٍ معيَّنة فأخطأ فهذا لا يُقال عنه بأنَّه لا يفقه الواقع، فهو يفهم الوقائع والحوادث ولكن التبس عليهِ أمرُ تلك الحادثة أو الواقعة المعيَّنة لأسبابٍ شرعيَّة، فهناك فرقٌ بين عدم فهم الواقع وبين عدم فهم واقعةٍ معينة، فالأولى صفة لازمة مُطَّردة، والثانية حالة طارئة.
والفرقُ بين الحالة الأولى والثانية:
أنَّ الثاني: خفي عليه أمرُ الواقعة أو الحادثة المعيَّنة لأسباب شرعية، وخطؤه لا يرجعُ إلى عدم التأصيل وعدم الفقه بالأحكام أو عدم قدرته على فهم الوقائع والحوادث، إنَّما الأمرُ كما ذكرنا لأسبابٍ شرعيَّة.
والأوَّل: مغفَّلٌ لا يفهمُ الوقائع والحوادث فهمًا صحيحًا ولا يُحيط بكل ما يتعلَّق بها، أو ليس عنده علمٌ صحيحٌ بالأحكام، أو كلاهما معًا، فتراه يخلط بين الأحكام لعدم فهمه فيها، ويضطرب في إطلاقها، وسبب ذلك كما قلنا: عدمُ التأصيل الصحيح في معرفة الأحكام الشرعية أو عدم القدرة على فهم الوقائع والحوادث أو كلاهما معًا. وهذا يُقال عنه بأنَّه لا يفهم الواقع.
قال ابن القيِّم رحمه الله تعالى: (ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم مِن الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين مِن الفهم:
أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقةِ ما وقعَ بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علمًا.
¥