ثم قال ابن عبد البر [الكافي 2/ 1136]: " وعلى كل مؤمن ومؤمنة أن يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم , ولتضرب المرأة بخمارها وهو كل ما يغطي رأسها على جيبها لتستر صدرها , ولا تبدي زينتها إلا لبعلها أو أبن بعلها أو ابنها أو أخيها أو ابن اخيها أو ابن اختها او ما ملكت يمينها , ... وقد رُدت الرخصة في أكل المرأة مع عبدها الوغد ومع خادمها المأمون ". انتهى

ويقول ابن عبد البر (التمهيد 3/ 461) مستنبطاً من حديث أبي القعيس رضي الله عنه: " في هذا الحديث دليل على أن احتجاب النساء من الرجال لم يكن في أول الإسلام , وأنهم كانوا يرون النساء , ولا يستتر نساؤهم عن رجالهم , إلا بمثل ما كان يستتر رجالهم عن رجالهم , حتى نزلت آيات الحجاب .... فأُمر النساء بالحجاب , ثم أُمرن عند الخروج أن يدنين عليهن من جلالبيبهن , وهو القناع , وهو عند جماعة العلماء في الحرائر دون الإماء.

وفيه أيضاً - أي في الحديث - أن ذوي المحارم من النسب والرضاع , لا يُحتجب منهم , ولا يستتر عنهم , إلا العورات , والمرأة في ما عدا وجهها وكفيها عورة ". انتهى

قال مقيده عفا الله عنه: يقرر ابن عبد البر أن الذي يجوز إبداءه من النساء لمحارمهن , وجهها وكفيها فقط , فما الفرق بين المحارم وغيرهم على قول من يبيح السفور للنساء , وهو أن للمرأة أن تكشف وجهها دائماً , وهل يكون ابن عبد البر من هؤلاء المبيحين فتأمل.

وقال القرطبي عند قوله تعالى {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب}:

في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض أو مسألة يستفتين فيها ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة بدنها وصوتها كما تقدم فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة كالشهادة عليها أو داء يكون ببدنها أو سؤالها عما يعرض وتعين عندها. انتهى

وذكر القرطبي في الجامع لأحكام القرآن الأقوال عن السلف في تفسير قوله تعالى {إلا ما ظهر منها} ثم قال رحمه الله:

قال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن ونحو ذلك. فـ {مَا ظَهَرَ} على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه.

قلت [القرطبي]: هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما.

فهذا أقوى من جانب الاحتياط؛ ولمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها، والله الموفق لا رب سواه. انتهى

وقال القرطبي عند قوله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}:

لما كانت عادة العربيات التبذل وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن وتشعب الفكرة فيهن أمر الله رسوله (صلى الله عليه وسلم) أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن وكن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكنف فيقع الفرق بينهن وبين الإماء فتعرف الحرائر بسترهن. انتهى

قال ابن جزي في التسهيل لعلوم التنزيل:

{وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} نهى عن إظهار الزينة بالجملة ثم استثنى الظاهر منها، وهو ما لا بد من النظر إليه عند حركتها أو إصلاح شأنها وشبه ذلك، فقيل: إلا ما ظهر منها يعني الثياب؛ فعلى هذا يجب ستر جميع جسدها، وقيل: الثياب والوجه والكفان، وهذا مذهب مالك لأنه أباح كشف وجهها وكفيها في الصلاة.انتهى

وقال ابن جزي عند قوله تعالى {ياأيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ المؤمنين يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ}:

كان نساء العرب يكشفن وجوههن كما تفعل الإماء، وكان ذلك داعياً إلى نظر الرجال لهن، فأمرهن الله بإدناء الجلابيب ليسترن بذلك وجوههن، ويفهم الفرق بن الحرائر والإماء. انتهى

وقال ابن جزي في القوانين الفقهية:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015