قال ابن العربي في أحكام القرآن:قَوْلُهُ: {إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} وَاخْتُلِفَ فِي الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا الثِّيَابُ يَعْنِي أَنَّهَا يَظْهَرُ مِنْهَا ثِيَابُهَا خَاصَّةً؛ قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ.
الثَّانِي: الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرُ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ.
وَهُوَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي بِمَعْنًى، لِأَنَّ الْكُحْلَ وَالْخَاتَمَ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ بِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يَرَى الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ هِيَ الزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ يَقُولُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا كُحْلٌ أَوْ خَاتَمٌ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ وَجَبَ سَتْرُهَا، وَكَانَتْ مِنْ الْبَاطِنَةِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ هِيَ الَّتِي فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، فَإِنَّهَا الَّتِي تَظْهَرُ فِي الصَّلَاةِ. وَفِي الْإِحْرَامِ عِبَادَةً، وَهِيَ الَّتِي تَظْهَرُ عَادَةً.انتهى
وقال ابن العربي عند قَوْلُهُ: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}:
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَذِنَ فِي مُسَاءَلَتِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فِي حَاجَةٍ تَعْرِضُ أَوْ مَسْأَلَةٍ يُسْتَفْتَى فِيهَا؛ وَالْمَرْأَةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ؛ بَدَنُهَا وَصَوْتُهَا، فَلَا يَجُوزُ كَشْفُ ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ لِحَاجَةٍ، كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا، أَوْ دَاءٍ يَكُونُ بِبَدَنِهَا، أَوْ سُؤَالِهَا عَمَّا يَعِنُّ وَيَعْرِضُ عِنْدَهَا.انتهى
وقال ابن العربي في عارضة الاحوذي (4/ 56):قوله في حديث ابن عمر: " ولا تنتقب المحرمة " وذلك لأن ستر وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج , فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها غير لاصق به , وتعرض عن الرجال ويعرضون عنها. انتهى
قال ابن القطان الفاسي في النظر في أحكام النظر (ص142):وهذا القول - أي أن الزينة الظاهرة هي [الوجه واليدان]- هو قول الأوزاعي والشافعي وأبي ثور ... وأما مذهب مالك رحمه الله فيشبه أن يقال إنه هو هذا ... ثم ذكر اختلاف أصحاب مالك وأن منهم من نسبه إلى قول ابن مسعود رضي الله عنه ...
ثم قال ابن القطان: ويحتمل عندي أن يقال: أن مذهب مالك هو أن نظر الرجل إلى وجه المرأة الأجنبية , لا يجوز إلا من ضرورة ... وجواز البُدوِّ وتحريمه , مرتب عنده - أي عند مالك - على جواز النظر , أو تحريمه , فكل موضع له فيه جواز النظر , فيه إجازة البُدوِّ. انتهى
وقال ابن القطان (ص406):
ليس من الضرورات احتياجها إلى أن تبيع أو تبتاع أو تستصنع , وقد روي عن مالك: أرى أن يتقدم إلى الصناع في قعود النساء إليهم , ولا تترك الشابة تجلس إلى الصناع , وأما المتجالة والخادم الدون ومن لا يتهم على القعود عنده , ومن لا يتهم فلا بأس بذلك.
وهذا كله صواب من القول , فإن أكثر هذه ليست بضرورات مبيحة للتكشف , وقد تصنع وتستصنع وتتصرف بالبيع والشراء وغير ذلك وهي مستترة , ولا يمنعن من الخروج والمشي في حوائجهن ولو كن معتدات , وإلى المسجد , وإنما يمنعن من التبرج والتكشف والتطيب للخروج والتزين , بل يخرجن وهن منتقبات ولا يخفقن في المشي في الطرقات بل يلصقن بالجدرات. انتهى
يقول ابن عبد البر رحمه الله [مقدمة الكافي في فقه أهل المدينة]: " واعتمدت فيه على علم أهل المدينة وسلكت فيه مسلك مذهب الإمام أبي عبد الله مالك بن أنس رحمه الله , لما صح له من جمع مذاهب أسلافه من أهل بلده , مع حسن الاختيار وضبط الآثار , فأتيت فيه بما لا يسع جهله لمن أحب أن يسم بالعلم نفسه , واقتطعه من كتب المالكيين ومذهب المدنيين واقتصرت على الأصح علماً والأوثق نقلاً ". انتهى
وقال ابن عبد البر في باب عقد النكاح [الكافي2/ 519]: " ومن أراد نكاح امرأة فليس له عند مالك أن ينظر إليها ولا يتأمل محاسنها وقد روي عنه أنه ينظر إليها وعليها ثيابها ومن أباح من العلماء النظر إليها عند خطبتها فإنه يبيح أن ينظر منها إلى وجهها وكفيها لأن ذلك ليس عليها ستره في صلاتها ". انتهى
¥