وبعضهم يعترف بالتحريم ولكن يعتذر هو كما يقال أقبح من ذنب - فيقول: إنه خاتم الخطبة. ولا يدري المسكين أنه بذلك يجمع بين معصيتين: مخالفة نهيه صلى الله عليه وسلم الصريح كما تقدم وتشبه بالكفار لأن خاتم الخطبة لم يكن معروفا عند المسلمين إلى ما قبل هذا العصر ثم سرت هذه العادة إليهم من تقاليد النصارى، فإن فيه أيضاً تشبهاً بالنصارى [10].

ثانيا: ننصح لكل من أراد الحج أن يدرس مناسك الحج على ضوء الكتاب والسنة قبل أن يباشر أعمال الحج ليكون تاما مقبولا عند الله تبارك وتعالى.

ثالثاا: واحذر أيضا يا أخي من أن تمر بين يدي أحد من المصلين في المسجد الحرام وفي غيره من المساجد لقوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ما ذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه) [11]. قال الراوي: لا أدري قال: أربعين يوما أو شهرا أو سنة .. وكما لا يجوز لك هذا فلا يجوز لك أيضا أن تصلي إلى غير سترة بل عليك أن تصلي إلى أي شيء يمنع الناس من المرور بين يديك. فإن أراد أحد أن يجتاز بينك وبين سترتك فعليك أن تمنعه. وفي ذلك أحاديث وآثار أذكر بعضها:

1 " إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرجل فليصل ولا يبالي من مر من وراء ذلك " (صحيح).

2 إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع في نحره وليدرأ ما استطاع فإن أبى فليقاتل فإنما هو شيطان) (صحيح) [12].

3 - قال يحيى بن كثير: " رأيت أنس بن مالك دخل المسجد الحرام فركز شيئا أو هيأ شيئا يصلي إليه " [13].

4 - عن صالح بن كيسان قال: " رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة ولا يدع أحدا يمر بين يديه" [14].

ففي الحديث الأول إيجاب اتخاذ السترة وأنه إذا فعل ذلك فلا يضره من مر وراءها.

وفي الحديث الثاني: إيجاب دفع المار بين يدي المصلي إذا كان يصلي إلى السترة وتحريم المرور عمدا وأن فاعل ذلك شيطان

وليت شعري ما هو الكسب الذي يعود به الحاج إذا رجع وقد استحق هذا الاسم: (الشيطان)؟

والحديثان وما في معناهما مطلقان لا يختصان بمسجد دون مسجد ولا بمكان دوم مكان فهما يشملان المسجد الحرام والمسجد النبوي من باب أولى لأن هذه الأحاديث إنما قالها صلى الله عليه وسلم في مسجده فهو المراد بها أصالة والمساجد الأخرى تبعا. والأثران المذكوران نصان صريحان على أن المسجد الحرام داخل في تلك الأحاديث فما يقال من بعض المطوفين وغيرهم أن المسجد المكي والمسجد النبوي مستثنيان من النهي لا أصل له في السنة ولا عن أحد من الصحابة اللهم سوى حديث واحد روي في المسجد المكي لا يصح إسناده ولا دلالة فيه على الدعوى كما سيأتي بيانه في " بدع الحج ".

رابعا: وعلى أهل العلم والفضل أن يغتنموا فرصة التقائهم بالحجاج في المسجد الحرام وغيره من المواطن المقدسة فيعلموهم ما يلزم من مناسك الحج وأحكامه على وفق الكتابة السنة وأن لا يشغلهم ذلك عن الدعوة إلى أصل الإسلام الذي من أجله بعثت الرسل وأنزلت الكتب ألا وهو التوحيد فإن أكثر من لقيناهم حتى ممن ينتمي إلى العلم وجدناهم في جهل بالغ بحقيقة التوحيد وما ينافيه من الشركيات والوثنيات كما أنهم في غفلة تامة عن ضرورة وجوع المسلمين على اختلاف مذاهبهم وكثرة أحزابهم إلى العمل الثابت في الكتاب والسنة في العقائد والأحكام والمعاملات والأخلاق والسياسة والاقتصاد وغير ذلك من شؤون الحياة وأن أي صوت يرتفع وأي إصلاح يزعم على غير هذا الأصل القويم والصراط المستقيم فسوف لا يجني المسلمون منه إلا ذلا وضعفا والواقع أكبر شاهد على ذلك والله المستعان.

ــــــ

المراجع:

[1]. سورة آل عمران، آية 97.

[2]. الحديث صحيح، خرجه الألباني في حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

[3]. الإمام محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ مع التصرف. (حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم)

[4]. القول للإمام الألباني (حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم)

[5]. الألباني؛ حجة النبي.

[6]. صحيح، رواه شيخان

[7]. انظر تفصيل هذا الإجمال في كتاب الألباني: (آداب الزفاف في السنة المطهرة) (ص 126 - 131). (حجة النبي)

[8]. صحيح، متفق عليه.

[9]. صحيح، رواه مسلم.

[10]. وقد فصل الإمام الألباني القول في هذه المسألة في (آداب الزفاف) أيضا (ص 131 - 138) وبين فيه أن النهي المذكور يشمل النساء أيضا خلافاً للجمهور فراجع (ص 139 - 167) فإنه مهم جدا.

[11]. فهذا نص عام يشمل كل مارٍ ومصلٍ، ولم يصح حديث استثناء المار في المسجد الحرام، وعليك أن تصلي فيه كغيره إلى سترة، لعموم الأحاديث الوارده في ذلك، وفيه آثار خاصة عن بعض الصحابة والحديث صحيح. رواه الشيخان في صحيحيهما

[12]. حديثان صحيحان مخرجان في " صفة الصلاة " (51/ 53 الطبعة الثالثة).

[13]. رواه ابن سعد (7/ 18) بسند صحيح

[14]. صحيح، رواه أبو زرعة الرازي في تاريخ دمشق، 91/ 1 وكذا ابن عساكر في (تاريخ دمشق)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015