ج: العلة هي خروج الشاطبي رحمه الله عن أصل كتابه وهو التيسير، وحتى لا يغتر أحد بما جاء في التيسير من قول الإمام الداني رحمه الله:" وروي عن أبي شعيب – السوسي – مثل حمزة " اهـ فقد تعقبه ابن الجزري رحمه الله بقوله:" قوله هذا لا يدل على ثبوته من طرقه، فقد صرح بخلافه في جامع البيان فقال إنه قرأ على أبي الفتح في رواية السوسي من غير طريق أبي عمران موسى بن جرير فيما لم يستقبله ساكن وفيما استقبله بإمالة فتحة الراء والهمزة معاً. اهـ (النشر: 2/ 45 - 46)
ثم أضاف ابن الجزري:" وإذا كان الأمر كذلك فليس إلى الأخذ به من طريق الشاطبية ولا من طريق التيسير ولا من طرق كتابنا سبيل.اهـ (2/ 47)
ثم زاد فائدة أخرى وهي قوله:" ذلك مما " انفرد " به فارس بن أحمد من الطرق التي ذكرها عنه سوى طريق ابن جرير وهي طريق أبي بكر القرشي وأبي الحسن الرقي وابي عثمان النحوي، ومن طريق أبي بكر القرشي ذكره صاحب التجريد من قراءته على عبد الباقي بن فارس عن أبيه. اهـ (2/ 47).
هذا هو حجة أهل التحريرات في منعهم القراءة بهذه " الزيادات الخارجة عن أصلها "، ولكن هل هذا يسلّم لهم؟؟؟
كما قلت في البداية: عملياً " هم سلموا بذلك، لكن " نظرياً " عند كاتب هذه الحروف " نظر " في المسألة أعرضه على المهتمين بدراسة القراءات " دراية " لا " رواية "، فأقول والله الموفق:
1 - يجب أن نقف وقفة علمية صريحة تجاه ما يسمّى " زيادات الشاطبية " وأن نجعلها " زيادات " معتبرة ومقروءاً بها لأسباب علمية جوهرية أهمها عندي الآن:
أ – اتصال السند بها وبمؤلفها سواء في السبعة الصعرى أو السبعة الكبرى، وأعني بالكبرى هنا الطرق التي أسندها ابن الجزري في " النشر " إلى " الشاطبي " رحمه الله.
ب – انقطاع السند منا إلى كتاب " التيسير "، فلا يوجد أحد – حسب المشهور – له سند متصل بكتاب " التيسير، بل الأسانيد هي أسانيد الشاطبية مضمن فيها التيسير وهي ليست إلا عن طريق الشاطبي، وفرق كبير بين القراءة به بسنده الخاص به وبين القراءة به بسنده المضمن فيه سواء عن الشاطبي أم غيره.
فالقول بأن هذه الزيادات لا يقرأ بها غير ديق – عندي – بسبب أن الشاطبي رحمه الله لم يأت بها من اجتهاده بل هي رواياته الخاصة به ولا يحق بحال من الأحوال قصرها على رواية الداني في التيسير وإلا لكان الأمر هو اعتبار الشاطبي صورة مكررة ومصغرة عن الداني يغني عنها وجود الداني وتيسيره، وهذا ما لا يصح اعتباره ولا قوله خاصة أن أهل القراءات قبل ابن الجزري رحمه الله قد تلقوا هذه الزيادات بالقبول وقرؤا وأقرؤا بها مع تنصيصهم ومعرفتهم بأنها " زيادات " على التيسير.2 -
2 - القول بأن هذين الوجهين اللذين امتنعا للسوسي غير صحيحين ولا يقرأ له بهما هو قول مخالف لصريح عبارة الإمام الداني نفسه رحمه الله فقد حكم عليهما بالصحة، وذلك قوله: " وقد قرأت بذلك – إمالة الراء والهمزة – في روايتيهما – خلف والسوسي-، وروى أبو حمدون وأبو عبدالرحمن عن اليزيدي بإمالة فتحة الهكزة في ذلك كالأول، وكل ذلك صحيح معمول به.اهـ (التيسير:278)
3 - ومما يدل على صحة إمالة الراء والهمزة للسوسي وانهما بهما أخذ العلماء له قبل إلزام المحررين: أن الداني نفسه رحمه الله ذكرهما في كتابيه " المفردات " و " التهذيب " والدليل ليس في مجرد الذكر في الكتابين، بل في أن الداني صرح في بداية كتابه " التهذيب لما تفرد به كل واحد من القراء السبعة " بقوله:" فهذه الروايات المذكورات هي المستعملات وبها الأخذ " اهـ (التهذيب:24)
4 - ما ذكره ابن الجزري رحمه الله من أن إمالة الحرفين مما انفرد به فارس شيخ الداني رحمهما الله إلا أن الداني ذكر عبارة أخرى أرى أنها مهمة لم يذكرها ابن الجزري – مع أنها موجودة في المفردات وفي جامع البيان – وهي ما نقله الداني عن شيخه فارس أنه قال له: "وكذلك – إمالة الحرفين – روت الجماعة عن أبي شعيب "اهـ
والعبارة التي هي أهم من هذه: " وإنما اختار الفتح في ذلك – في الراء والهمزة – موسى بن جرير النحوي من نفسه، يعني فيما بعد الراء فيه ساكن، وكان يختار في قراءة أبي عمرو أشياء من جهة العربية.اهـ (المفردات:281).
الخلاصة:
1 - ما صرح به بعض المعاصرين من عدم صحة هذا الوجه للسوسي يناقضه تصريح الداني نفسه بالصحة.2 -
2 - الداني نفسه كان يأخذ بهذا الوجه للسوسي وكذا من جاء بعده إلى ابن الجزري.
3 - اقتراح بدراسة زيادات الشاطبي دراسة علمية وليس دراسة تقليدية.
وللمقال عودة إن شاء الله.