ولا يظن ظانٌّ أن إغراق من يخالفه رأيه بالنقل من عشرين أو خمسين أو مئة إمام من أئمة السلف = يدل على بطلان ما يذهب إليه مخالفه ولابد! فإن مخالفه قادر - كذلك - على نقل أقوال تعضد ما يقول به من كلام السلف! فكان ماذا؟ كيف يكون الترجيح عندئذ؟ نزن أي الفريقين أكثر نفرا وأطول نقلا؟؟؟
ما هكذا تؤخذ مسائل العلم يا إخوة، ولا هكذا نتعامل مع كلام العلماء!
/// وحتى لو سلمنا تنزلا بأن تلك النقولات التي يظهر لكم تعارضها = حجة في نفسها، فأي المسالك أقوم في التعامل معها؟ أليس جمعها إلى بعضها البعض ما أمكن مقدما على الترجيح فيها؟
/// ينبغي أن يدرك الناظر في هذه القضية أن المبتدعة ليسوا كلهم على درجة واحدة، هذا أول ما يحتاج إلى تحرير، حتى يستقيم فهم المطالع لكلام السلف في التعامل معهم. فمنهم صاحب الهوى المعاند الذي ضلّ على علم ولا يزال ينتصر لبدعته ويبثها في الناس من بعد ما نوصح ممن هم أهل لإقامة الحجة عليه، (وهذا هو حال أكثر من حكم أئمة السلف ببترهم ونهوا أشد النهي عن مجالستهم) ومنهم من لا ينافح عن بدعته ولا يدعو إليها ولا يظهرها .. ومنهم من يغلب على الظن أنهم إن ناصحهم من يثقون في علمه فسيرجعون إلى الحق .. ومنهم من المبتدعة من بدعته مكفرة ومنهم من بدعته دون ذلك! ومن الناس من هو من أهل السنة في أصوله ولكنه وافق بعض المبتدعة في بعض الفروع، أو في كلية لا يخرج بها من أهل السنة ...
كل هذا ينبغي تحريره أولا قبل النظر في أمره هل يجب قطعه وهجرانه على التأبيد حتى يعلن توبته أم دون ذلك! وهذا ولا شك أمر خاضع للاجتهاد من أهل النظر، هم يوجهون العوام وصغار الطلبة في ذلك .. فلا يأت حدث من طلبة العلم يقول فلان هذا ضال مضل ومن منهج السلف هجر المبتدع على التأبيد، بل وهم يبدعون من يجالسه كذلك، فتراه يهجر فلانا هذا ويأمر بهجره ويخرجه هو كل من جالسه أو ثبت أنه خالطه من أهل السنة!!! وكذا لا يغلوَنّ أحد الطلبة في تبديع شيخه لواحد من العلماء أو الدعاة وكأنه الوحي المنزل حتى وإن علم أن من أقران شيخه من علماء أهل السنة من لا يبدع ذلك الشخص .. فإذا بأخينا لا يرى مجالسا لهذا الذي بدعه شيخه إلا ويلحقه به من دون أن يكلمه أو ينبهه أو يحذره أو ينظر في حقيقة تلك المجالسة أو غايته منها .. الخ.
وما أكثر ما نرى في أوساط المنتسبين إلى السلفية من مثل هذا العبث المبين، والله المستعان!!!
/// ليست المجالسة على صورة واحدة!! وفعل جالس من مادة (فاعَل) في اللغة وفيها مكاثرة من أصل الفعل (جلس)، والجليس هو من يكثر الجلوس إلى صاحبه، فينبغي تحرير المراد بالمجالسة كذلك.
هل لو أنك لقيت المتبدع في الطريق وحدثته في حاجة لك، ورآك الناس معه حالئذ، جاز أن يقال إنك "تجالسه"؟؟؟
/// ليس المنع من المناظرة والمجادلة (وكذا المخالطة والمجالسة) بإطلاقه، وإلا فخبرني بربك من الذي يجادل ويناظر الضالة فضلا عن الكفار عند دعوتهم وإقامة الحجة عليهم؟؟؟؟
المنع متوجه أولا للعوام الذين يُخشى عليهم الافتتان ببدعة الداعي إلى بدعته، وكذا للخواص يمنعون من مجادلة من تبين عناده وما عاد يرجى رجوعه إلى الحق (من رؤوس البدعة الداعين لها ومن غلو في تقليدهم بالهوى) .. بل إنه يقاطع وينفى من المجتمع، بل وقد يحكم ولي الأمر بقتله، بحسب بدعته ودرجتها!
وفي القرءان قوله تعالى:
((خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)) [الأعراف: 199]
وفيه كذلك قوله تعالى: ((ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) [النحل: 125]
فكيف نجمع بين الخطابين؟؟
¥