هجر (المبتدع والعاصي) منوطٌ بالمصلحة الشَّرعيَّة، لا على إطلاقه.

ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[22 - عز وجلec-2006, صباحاً 08:46]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم* الحمدلله وحده، وبعد

فقد انتشرعند فئامٍ كثيرةٍ من الناس المنتسبين إلى الخير والصَّلاح هجر أهل البدع والمعاصي بإطلاق.

وظنُّوا أنَّ ذلك هو هدي الشَّرع فيه، واستأنسوا -بل استدلُّوا- عليه بفعل السَّلف رحمهم الله.

* والذي ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام أنَّ الهجر ليس مشروعًا دومًا؛ بل هو بحسب حال الشَّخص، والزَّمان، والمكان، وظهور السنة وأهلها وخفائهما، وكلُّ هذه الأمور تجمعها (المصلحة الشرعيَّة).

* فلا بد من التفريق بين أصحاب البدع المغلَّظة وغير المغلَّظة.

وبين الداعين للبدعة، والمستورين.

وبين رؤوس البدعة وبين عامتهم.

* وممَّا ينبغي التنبيه إليه أيضًا أنَّ كثيرًا من القضايا المترتِّبة على هجر المبتدعة وإظهار البغضاء والنفرة عنهم موكول بتحقيق الكلام على البدعة، هل هي بدعةٌ حقَّاً؟!! أم هي مسألةٌ يسوغ فيها الاجتهاد ويُعذر فيها عند الخطأ المأجور عليه صاحبه!

* وتكمن أهميَّة هذا الموضوع بما يحصل في هذا الزَّمان من النُّفرة والتهاجر بين أصحاب الدَّعوة الواحدة!

- فكم من أتباع السنة والأثر ممن له أكبر الجهد والأثر = مَن يُرمى زوراً وبغيًا بالبدعة، ويهجَّر وينفَّر منه ومن أتباعه، ثم ينسب ذلك إلى مذهب السَّلف!

* ولك أن تتأمَّل في كلام أئمَّة الهدى، الذين فهموا منهج السَّلف، وكانوا أكثر الناس حاجة إلى هذا الأمر المشروع (الهجر) ولكنَّهم لم يغلوا فيه كغلو بعض الناس في هذا الزمان.

* قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في الفتاوى (28/ 204): ((النوع الثانى: الهجر على وجه التاديب، وهو هجر من يظهر المنكرات يهجر حتى يتوب منها، كما هجر النبى صلى الله عليه وسلم والمسلمون الثلاثة الذين خلفوا، حتى أنزل الله توبتهم، حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين عليهم بغير عذر.

ولم يهجر من أظهر الخير وان كان منافقا.

فهنا الهجر هو بمنزلة التعزير، والتعزير يكون لمن ظهر منه ترك الواجبات وفعل المحرمات، كتارك الصلاة والزكاة، والتظاهر بالمظالم والفواحش، و الداعى الى البدع، المخالفة للكتاب والسنة واجماع سلف الامة التى ظهر انها بدع.

وهذا حقيقة قول من قال من السلف والأئمة: ان الدعاة الى البدع لا تقبل شهادتهم، ولا يصلى خلفهم، ولا يؤخذ عنهم العلم ولا يناكحون؛ فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا.

ولهذا يفرقون بين الداعية وغير الداعية.

لأن الداعية اظهر المنكرات فاستحق العقوبة.

بخلاف الكاتم؛ فانه ليس شرا من المنافقين، الذين كان النبى صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم الى الله؛ مع علمه بحال كثير منهم.

... فالمنكرات الظاهرة يجب انكارها بخلاف الباطنة فان عقوبتها على صاحبها خاصة.

وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين فى قوتهم وضعفهم، وقلتهم وكثرتهم.

فان المقصود به زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله.

فان كان المصلحة فى ذلك راجحة بحيث يفضى هجره الى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً.

وان كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته = لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر.

والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف.

ولهذا كان النبى يتألف قوماً، ويهجر آخرين؛ كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيرا من اكثر المؤلفة قلوبهم؛ لما كان أولئك كانوا سادة مطاعون فى عشائرهم.

فكانت المصلحة الدينية فى تأليف قلوبهم.

وهؤلاء كانوا مؤمنين والمؤمنون سواهم كثير؛ فكان فى هجرهم عز الدين وتطهيرهم من ذنوبهم.

وهذا كما أن المشروع فى العدو القتال تارة والمهادنه تارة وأخذ الجزية تارة كل ذلك بحسب الاحوال والمصالح.

وجواب الائمة كأحمد وغيره فى هذا الباب مبنى على هذا الأصل.

ولهذا كان يفرق بين الأماكن التى كثرت فيها البدع؛ كما كثر القدر فى البصرة والتنجيم بخراسان والتشيع بالكوفة، وبين ما ليس كذلك.

ويفرق بين الأئمة المطاعين وغيرهم.

واذا عرف مقصود الشريعة سلك فى حصوله أوصل الطرق اليه.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015