ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[17 - عز وجلec-2006, مساء 07:57]ـ
الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم، أما بعد:
فهذا فرع في حكم الاقتصار على قراءة بعض آية في الصلاة هل يصح أو لا؟
والجواب:
قال الله تعالى (فاقرءوا ما تيسر من القرآن ـ إلى قوله ـ فاقرءوا ما تيسر منه) (المزمل 20)
والجزء من الآية = من القرآن؛ فالقارئ به = قارئ بما تيسر.
قد ذكر بعض فقهاء الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة:
أنه لا يقتصر في قراءة الصلاة على الفاتحة سوى الركعتين الأخريين، بل يستحب أن يقرأ معها شيئا من القرآن: سورة، أو آية، أو بعض آية.
على خلاف عند الحنفية في قدر المجزئ من بعض الآية.
والله أعلم.
وينظر تفصيل ما ذكروه في:
كتب الحنفية:
البحر الرائق 1/ 359، شرح فتح القدير 1/ 332، وحاشية ابن عابدين 1/ 538.
وكتب المالكية:
الشرح الكبير 1/ 242، والثمر الداني 105، وحاشية العدوي 1/ 330، والفواكة الدواني 1/ 178.
وكتب الشافعية:
كفاية الأخيار ص115، والمنهج القويم لابن حجر الهيتمي 2/ 195.
وكتب الحنابلة:
الفروع 1/ 368، والمبدع 1/ 443، والإنصاف 2/ 120، وغاية المرام 4/ 194.
وغيرها.
ـ[حارث الهمام]ــــــــ[17 - عز وجلec-2006, مساء 09:01]ـ
شكر الله لكم وكثر فوائدكم ..
وهذه مدارسة أذكر فيها ما خلصت إليه عقب مجلس مع بعض الأحبة!
لعل القول بالجواز له وجه إن كانت الآية مما يسوغ الوقوف فيها على ما وقف المصلي، أما استحباب ذلك فمحل تأمل ولعل أقرب منه القول بكراهته فقد ثبت عن ابن أبي الهذيل -وهو تابعي ينقل عن الصحابة- قوله: كانوا يكرهون أن يقرءوا بعض الآية ويتركوا بعضها.
وأما الآية: (ما تيسر منه) فتشمل الحرف وبعض الآية والآية وما فوقها، كما تشمل سورة الفاتحة وغيرها، وقد علم من هديه عليه الصلاة والسلام أن المراد الفاتحة وسورة غيرها.
وقد جاء هذا تخفيفاً بعد أن عقدوا الحبال فتأمل، ولذا فسرها من فسرها بأن ما تيسر (مائة آية).
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[18 - عز وجلec-2006, مساء 06:00]ـ
بارك الله فيكم، ونفع بما قلتم
شيخنا الفاضل قد جاء في السنة أيضا قراءة ما تيسر، والمراد به ما زاد عن الفاتحة، فعن أبي سعيد: «أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر». رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان، وقواه ابن حجر في الفتح.
كما جاء في حديث رفاعة بن رافع ـ في قصة المسيء صلاته ـ «إذا استقبلت القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت ... » رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان.
وأما الحرف فلا يظهر لي أنّ من نطق به يسمى قارئا بخلاف بعض الآية.
والله أعلم.
ـ[حارث الهمام]ــــــــ[18 - عز وجلec-2006, مساء 08:45]ـ
شكر الله لكم شيخنا الحبيب:
في الحديث: من قرأ حرفاً من كتاب الله.
فصح أن الحرف يقرأ.
وقد علمتم أن ألم أحرف مقطعة وهي آيات، فهل يقال من قرأها لم يقرأ آية؟
وإذا صح أن الحرف ليس بآية فكذلك الكلمة والكلمات دون الآية.
فكان الأولى أن يُطرد في تسوية الحرف والكلمة ببعض الآية، كما اطرد من منع الجنب من قراءة ولو حرف من القرآن، وهذا مروي كما لايخفى على فضيلتكم عن علي رضي الله عنه.
فإن قيل هو كذلك فما المانع من قراءة حرف وقد قال الله تعالى: (فاقرأوا ما تيسر منه)؟
قيل هذا يدور على مسألة العمل بالأدلة التي لم ينقل العمل بها بل نقل العمل ببعضها دون بعض، بل نقلت كراهة العمل ببعضها المختلف فيه عن السلف.
قال الشاطبي:
"كل دليل شرعي لا يخلو أن يكون معمولاً به فى السلف المتقدمين دائماً، أو أكثرياً، أو لا يكون معمولاً به إلا قليلاً، أو في وقت ما، أو لا يثبت به عمل، فهذه ثلاثة أقسام".
ثم فصل في أحكام هذه.
أما الأول فحكمه ظاهر لايحتاج إلى بيان.
وقال في الثاني:
" ... ووقع إيثار غيره والعمل به دائما أو أكثرياً فذلك الغير هو السنة المتبعة والطريق السَابِلَةُ، وأما ما لم يقع العمل عليه إلا قليلاً فيجب التثبت فيه وفي العمل على وفقه، والمثابرة على ما هو الأعم والأكثر، فإن إدامة الأولين للعمل على مخالفة هذا الأقل إما أن يكون لمعنى شرعي، أو لغير معنى شرعي. وباطل أن يكون لغير معنى شرعي، فلا بد أن يكون لمعنى شرعي تحروا العمل به، وإذا كان كذلك فقد صار العمل على وفق القليل كالمعارض للمعنى الذي تحروا العمل على وفقه، وإن لم يكن معارضاً في الحقيقة فلا بد من تحرى ما تحروا وموافقة ما داوموا عليه ... " إلى آخر ما ذكر في هذا الصدد وهو كلام نفيس جدير بأن يوعى فلينظر ولايخفى على طالب العلم اللبيب أن بعض الأمثلة لاتسلم.
ثم قال –رحمه الله- وهذا موضع الشاهد:
" والقسم الثالث أن لا يثبت عن الأولين أنهم عملوا به على حال، فهو أشد مما قبله، والأدلة المتقدمة جارية هنا بالأولى، وما توهمه المتأخرون من أنه دليل على ما زعموا ليس بدليل عليه ألبتة، إذ لو كان دليلاً عليه لم يعزب عن فهم الصحابة والتابعين ثم يفهمه هؤلاء، فعمل الأولين كيف كان مصادم لمقتضى هذا المفهوم، ومعارض له، ولو كان ترك العمل فما عمل به المتأخرون من هذا القسم مخالف لإجماع الأولين، وكل من خالف الإجماع فهو مخطئ، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة، فما كانوا عليه من فعل أو ترك فهو السنة والأمر المعتبر وهو الهدى، وليس ثمَّ إلاّ صواب أو خطأ، فكل من خالف السلف الأولين فهو على خطأ، وهذا كاف ... ".
فإذا أنزلنا هذا التقعيد على مسألتنا وجدنا النص يثبت لا مجرد تركهم بل كراهتهم له. وقد اختلف في استحباب هذا من بعدهم من أهل المذهب الواحد فبعد النظر وجدت من الحنابلة من كرهه، وكذلك من أتباع الثلاثة، فينبغي أن يرجع خلافهم إلى من سبقهم، وإذا كان كذلك فما وجه استحباب عمل كان يكرهه الرعيل الأول؟
لعله لا مناص من القول بالكراهة –لغير مقتض- على أقل الأحوال فيما يظهر وأنتم أهل للنظر الأسد الأكمل.
¥