مثاله: تُجمع أحياناً مبالغ لحساب مشروع معين [بناء مسجد مثلاً]، ثم يتوقف العمل اضطراراً إلى حين يتوفر المبلغ اللازم، فإن تُركت الأموال تعطلت منفعتها مدة ليست باليسيرة، وهذا إمام مسجد يقول: جاءني شخص أعرفه من جيران المسجد يطلب قرضاً إلى آخر الشهر، وأنا أجزم بأنه سوف يسدد عند حصوله على الراتب، فهل يجوز لي أن أقرضه من هذه الأموال، وهل للإمام نفسه أن يقترض لنفسه والحال ما ذكر؟.

فهل يجوز للقائم على المشروع أن يتصرف في المال المتوفر إقراضاً أو اقتراضاً.

# ليس لدي جواب، ولكنني أستفيد من آرائكم بطرح ما يأتي:

طبعاً: الأصلُ أنه لا يجوز حبس الأموال عن وجوهها الشرعية، إلا لعذر، فلو فرضنا أن المبلغ المتوفر يقوم بالمشروع، أو ببعضِه؛ فالواجب المبادرة إلى تنفيذه.

لكن صورة السؤال أنَّ المبلغ لا يكفي للبدء في المشروع، ولا بمرحلة من مراحله، كما لو كان المبلغ يسيراً نسبياً، بحيث يمكن أن يُبدأ به.

فهنا نظران:

أولهما: أن يقال: إن هذه أموالٌ خرجت من أصحابها على قصد التبرع بهذا المشروع لا غير، ولو علم أصحابها أنها لا تصرف في هذا المصرف لم تسمح أنفسهم بإخراجها، ونحن نرى الناس يتفاوتون في تقدير جهات صرف الصدقة، فمنهم من تطيب نفسه ببناء مسجد، بينما لا تطيب بسداد ديون الناس، والعكس صحيح.

ومن ثم فلا يجوز للناظر أن يتصرف في المال بما هو نائبٌ عن المتبرع، إلا بالطريق المأذون به من قِبَله، والمتبرع حينما أخرج هذا المال كأنه شرَطَ إخراجه في هذا المصرف لا غير، ولو لم ينطق بذلك بلسانه، فالمعروف كالمشروط، وهنا أستعير مقولة بعض الفقهاء ـ مع التحفظ المعروف على إطلاقها ـ إن شرط الواقف كنص الشارع.

فلو أخذنا بهذا النظر كنَّا: أخذنا بالحزم، وسددنا ذريعة التلاعب بالأموال العامة، واطمأنَّ الناس على تبرعاتِهم، لكن فيه من الحرج على النظَّار وعلى المستحقين من غيرهم ما فيه، ومع ذلك فالأصل العام يؤيده.

ثانيهما: أن يقال: إن هذه الأموال حين خرجت من المتبرع دخلت في ذمة الناظر، فصارت غير متعينة بذاتها (2)، وصار هو مديناً لهذا المشروع بمبلغ التبرع، فتصرفه بالدراهم التي جمعها بالمعروف ـ مع جزمه بقدرته على السداد ـ لا يخرج عن أصل الجواز.

خصوصاً أن بعض النظَّار لا يجعل صندوقاً خاصاً لأموال التبرع، ولا يخصص حساباً في البنك مقصوراً على التبرعات، بل يدخل تلك المبالغ في حسابه الخاص، من باب الثقة.

وقد ظهر لي ـ والعلم عند الله ـ أن هذه المسألة يمكن أن تبنى على مسألة: الدراهم هل تتعين بالتعيين أو لا؟، وفيها من الخلاف ما هو معلوم.

كما أنها يمكن أن تبنى على مسألة تعارض المصلحة مع الأصل.

والله تعالى أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ

(1) المراد بالناظر هنا: من يجمع التبرعات، ويقوم على صرفها في مصارفها [كإمام المسجد، والجمعيات الخيرية ونحوهم].

(2) كثيراً ما يكون التبرع على شكل شيك يصرف من البنك، فلا تكون دراهم متعينة أصلاً.

ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[02 - عز وجلec-2006, مساء 02:58]ـ

بارك الله فيك، ونفع الله بما كتب، لعلك تفرده بموضوع جديد لأن موضوعي هذه سبق وأن طرح في مواقع أخر فأخشى أن لا يدخله من قرأه في مكان آخر ويحرم من الاطلاع على ما كتبت.

ـ[الحمادي]ــــــــ[03 - عز وجلec-2006, صباحاً 05:56]ـ

جزاكم الله خيراً

وأنا أؤيد إفراد موضوع مستقل لهذه الفروع

ولعلكم يا أبا عبدالله النجدي تضعون له عنواناً مناسباً ترتضونه

وهذه مباحثةٌ متعلِّقةٌ بالفرع الذي ذكرتم

وقد ظهر لي ـ والعلم عند الله ـ أن هذه المسألة يمكن أن تبنى على مسألة: الدراهم هل تتعين بالتعيين أو لا؟، وفيها من الخلاف ما هو معلوم.

كما أنها يمكن أن تبنى على مسألة تعارض المصلحة مع الأصل.

والله تعالى أعلم.

يبدو أنَّ هناك صورتين:

الأولى/ أن يكون الناظر موسراً؛ بحيث لو تصرَّف الناظر في شيء من نقود الوقف فيمكنه تسديده من

ماله هو، وهذه يمكن أن تُبنى على مسألة تَعيُّن النقود بالتعيين

الثانية/ ألا يكون الناظر موسراً، بحيث لو تصرَّف في المال لمصلحته أو مصلحة غيره فسينقص

المال الموقوف، ويكون ديناً في ذمة الناظر

وهذه الصورة لا أرى تخريجها على مسألة تعيُّن النقود بالتعيين

وبيان ذلك بما يلي:

الناظر أمين، مستأمن على الوقف، وعلى عمل الأصلح له

فإن كان اقتراضُه لمصلحة الوقف فهذه مسألة

وإن كان اقتراضه لمصلحته هو فيكون متصرِّفاً في مال الوقف لغير مصلحة ذلك المال

فإن قيل: هو جازمٌ بقدرته على السداد

فيقال: جزمُه لا يخوِّله التصرُّف، فقد يطرأ عليه ما يعجز معه عن السداد

وقد يدركه الموت ولا يكفي ما يخلِّفه لسداد ما عليه

فإن قيل: إن هذه الأموال حين خرجت من المتبرع دخلت في ذمة الناظر، فصارت غير متعينة بذاتها

وصار هو مديناً لهذا المشروع بمبلغ التبرع فجاز تصرُّفه بالدراهم التي جمعها، مع الجزم بقدرته على تسديدها

فيُقال: ليس مديناً للمشروع، ولا في حكم المدين

فإنَّ المدين ضامنٌ على كلِّ حال، ولو فرضنا أنَّ مالَ القرض تلف أو سرق لثبت الدين في ذمة المقترض

بخلاف الناظر، فهو أمينٌ غيرُ ضامن إلا بالتعدي أو التفريط

فإن تلف مال الوقف أو سرق مع حفظه له وعدم تفريطه لم يضمن

ولذا فيمكن القول بأنَّ تصرُّف الناظر في مال الوقف لمصلحة الناظر أو مصلحة أجنبي= داخلٌ في التعدي

إذا كان غير موسر

فإن كان موسراً فتتخرَّج على مسألة تعيُّن النقود بالتعيين

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015