التصرف عن الغير بخلاف ما تقتضيه المصلحة

ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[25 - Nov-2006, مساء 05:52]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد سيد ولد آدم. أما بعد:

فإن هذه الشريعة الغراء الكاملة قد أُحكمت من لدن حكيم خبير، وجُعلت رحمة للعباد، بنيت على جلب المصالح لهم، ودرء القبائح عنهم.

الدين مبني على المصالح * في جلبها والدرء للقبائح.

ومن المصالح التي جاءت بها الشريعة:

تكليف بعض الناس بالقيام على بعض الأمور المتعلقة بمصالح المسلمين، وتدبيرها .. كالإمام الأعظم، ومن دونه من أصحاب الولايات بأنواعها، كناظر الوقف، ومتولي مال اليتيم .. ونحوهم.

وهؤلاء القائمون بهذه المهام الجليلة موكلون في التصرف فيما تحت أيديهم بما تقتضيه المصلحة، ولا يحل لهم التصرف بخلاف ذلك.

وهذه المسألة المهمة قد ذكرها العلماء في كتب القواعد الفقهية بألفاظ مختلفة مؤداها واحد أو متقارب فمن ذلك قولهم:

• (منزلة الإمام من الرعية منزلة الوليّ من اليتيم).

• (كل متصرف عن الغير عليه أن يتصرف بالمصلحة)

• (تصرف الإمام منوط بالمصلحة)

• (تصرف الإمام للرعية * أنيط بالمصلحة المرعية)

• (التصرف على الرعية منوط بالمصلحة)

ونحو ذلك مما تجده مدوّنا في كتب الفقه، و القواعد الفقهية، وتوابعها ككتب الأشباه والنظائر، والفروق، وغيرها.

قال الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوي 32/ 53:

وأوجب الله على أولياء النساء أن ينظروا في مصلحة المرأة لا في أهواءهم، كسائر الأولياء والوكلاء ممن تَصرف لغيره؛ فإنه يقصد مصلحة من تصرف له لا يقصد هواه؛ فإن هذا من الأمانة التي أمر الله أن تؤدى إلى أهلها فقال {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ}، وهذا من النصيحة الواجبة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم ". اهـ

وقال العلامة الفقيه الشافعي العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام 2/ 75:

فصل: في تصرف الولاة ونوابهم

يتصرف الولاة ونوابهم بما ذكرنا من التصرفات بما هو الأصلح للمولى عليه درءا للضرر والفساد , وجلبا للنفع والرشاد , ولا يقتصر أحدهم على الصلاح مع القدرة على الأصلح؛ إلا أن يؤدي إلى مشقة شديدة , ولا يتخيرون في التصرف حسب تخيرهم في حقوق أنفسهم، مثل: أن يبيعوا درهما بدرهم , أو مكيلة زبيب بمثلها، لقول الله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} , وإن كان هذا في حقوق اليتامى؛ فأولى أن يثبت في حقوق عامة المسلمين فيما يتصرف فيه الأئمة من الأموال العامة ; لأن اعتناء الشرع بالمصالح العامة أوفر وأكثر من اعتنائه بالمصالح الخاصة , وكل تصرف جر فسادا أو دفع صلاحا = فهو منهي عنه، كإضاعة المال بغير فائدة ..

وقال العلامة القرافي المالكي في الفروق 4/ 76:

اعلم أن كل من ولي ولاية الخلافة فما دونها إلى الوصية لا يحل له أن يتصرف إلا بجلب مصلحة، أو درء مفسدة لقوله تعالى {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، ولقوله عليه السلام " من ولي من أمور أمتي شيئا ثم لم يجتهد لهم , ولم ينصح فالجنة عليه حرام " .. اهـ

وقال الفقيه الحنفي ابن نجيم في الأشباه والنظائر ص139:

تصرف القاضي فيما له فعله في أموال اليتامى، والتركات، والأوقاف مقيد بالمصلحة، فإن لم يكن مبنيا عليها = لم يصح.

وفي المنثور في القواعد للفقيه الزركشي الشافعي 1/ 309:

تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة نص عليه: قال الفارسي في عيون المسائل: قال الشافعي ـ رحمه الله ـ: "منزلة الوالي من الرعية: منزلة الوليّ من اليتيم " انتهى.

وهو نص في كل وال. اهـ.

هذا بعض النقل المختلف من كتب المذاهب الأربعة، ومعناه في كتب أهل العلم كثير.

إذا تقرر هذا فإنك ترى في هذه الأيام بعض من يتولى أموالا عامة يتصرف فيها بخلاف المصلحة ..

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015