ـ[عبد الله المزروع]ــــــــ[21 - Nov-2006, مساء 09:02]ـ
الدليل الثالث: أنَّ هذه المسألة قد حكى بعض العلماء اتفاق المسلمين على عدم جواز العمل بما حكم به الحاكم - فضلاً عن كونه يرفع الخلاف -، منهم:
1 – الشافعي – كما في إعلام الموقعين (2/ 290) –: أجمع الناس على أنَّ من استبانت له سنة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يكن له أن يدعها لقول أحدٍ من الناس.
2 - قال شيخ الإسلام – رحمه الله – في منهاج أهل السنة (2/ 76): أهل السنة لا يجوزون طاعة الإمام في كل ما يأمر به؛ بل لا يوجبون طاعته إلا فيما يسوغ طاعته فيه في الشريعة.
3 – شيخ الإسلام – رحمه الله – في المجموع (35/ 373): وهذا إذا كان الحاكم قد حكم في مسألة اجتهادية قد تنازع فيها الصحابة والتابعون فحكم الحاكم بقول بعضهم وعند بعضهم سنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تخالف ما حكم به = فعلى هذا أن يتبع ما علم من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويأمر بذلك، ويفتي به ويدعو إليه، ولا يقلد الحاكم. هذا كله باتفاق المسلمين.
الدليل الرابع: أنَّ سبل تلقي الأحكام الشرعية الكتاب والسنة والإجماع – والأدلة المختلف فيها عند الأصوليين – وليس منها: حكم الحاكم! قال شيخ الإسلام – رحمه الله – كما في المنتقى للذهبي (570): سبل الأحكام كلها تلقتها الأمة عن نبيها لا تحتاج فيها إلى الإمام، وإنما الإمام منفذ لما شرعه الله.
الدليل الخامس: أنَّ القول بأن حكم الحاكم يرفع الخلاف لم يقله الخلفاء الراشدون ولا الصحابة ولا من بعدهم من السلف، والدليل على ذلك وجود حكم الخليفة في أمرٍ من الأمور ونجد الصحابة وأهل العلم يخالفونه في ذلك، ومنها:
1 – قصة اجتهاد أبي بكر وعمر في حج التمتع، وقول ابن عباس: أُراهم سيهلكون! أقول: قال النبي – صلى الله عليه وسلم – ويقول: نهى أبو بكر وعمر.
2 - أن معاوية لمَّا قَدِمَ المدينة – وهو ولي أمر المسلمين () – قال: أرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر، فأخذ الناس بذلك ().
وقد خالف في ذلك أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – () مع أنَّ ظاهر هذا الخبر وغيره موافقة أكثر الصحابة لقول معاوية – رضي الله عنه –.
3 – وقصة الرشيد مع الإمام مالك – رحمه الله – حينما أراد أن يحمل الناس على رأي مالك في (الموطأ) منعه الإمام مالك، وقال له: إن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تفرقوا في الأمصار، وقد أخذ كل قومٍ بما بلغهم.
4 – مخالفة شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – لأغلب علماء عصره؛ بل امتحن في مسألة الطلاق ثلاثاً هل يقع واحدة أم لا؟ وغيرها من المسائل.
ولم يُلزم أحدٌ من العلماء شيخَ الإسلام – رحمه الله – بالرجوع عن قوله أو – على الأقل – عدم الإفتاء في هذه المسألة بحجة أن حكم الحاكم يرفع الخلاف!
الدليل السادس: أنَّ القول بأن حكم الحاكم يرفع الخلاف قولٌ فاسدٌ من وجهين:
الوجه الأول: أنه يلزم على هذا القول تتبع أحكام الحكام والسلاطين مع ما هم فيه من الفسق والفجور، وترك كلام الأئمة والسلف؛ فضلاً عن الأدلة الشرعية!
الوجه الثاني: إلى متى يستمر الخلاف مرفوعاً؟
فإن قيل: أبد الدهر.
قلنا: هذا فاسد؛ حتى على مذهب القائلين بأن حكم الحاكم يرفع الخلاف!
وإن قيل: يستمر الخلاف مرفوعاً إلى أن يموت أو ينعزل الحاكم أو إلى أن ينقضه الحاكم الذي يليه.
قلنا: هذا مخالف للواقع العملي، ولا يُعلم وقوعه في عصرٍ من العصور.
وبهذين الوجهين يتبين فساد هذا القول.
الدليل السابع: أنَّ جماعةً من أهل العلم على عدم جواز إلزام ولي الأمر القضاةَ المجتهدين بالحكم بمذهبٍ معين، لِمَا في ذلك من مفاسد؛ ومن أعظمها، وهو ما يهمنا هنا: أن القاضي يحكم بخلاف ما يعتقده راجحاً. هذا الرأي هو ما ترجح لدى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية؛ بل لا أظن أنَّ هناك خلافاً في هذه المسألة، حيث إن حجة من يرى إلزام القضاة بالحكم بما يوضع له من أحكام هو: عدم وجود القضاة المجتهدين في هذا العصر، ودرءاً لمفسدة تناقض أحكام القضاة، دون تجويزهم أن يحكم القاضي المجتهد بخلاف ما يعتقده صواباً.
¥