5 – أنَّ هذه المسألة لو كان فيها رفع للخلاف لكانت هذه المسألة من مسائل الأصول، والتي تذكر في كتب الأصول، وهذا مما لا وجود له.
ومما سبق يُعْلَم أنَّ نقل كلام أهل العلم حول هذه المسألة هنا غير واردٍ، وحَمْلُ كلامهم على مسألتنا تلاعب بكلام أهل العلم.
تنبيه مهم: قد ينازع البعض في بعض النقول التي ستأتي بكونها في قضاء القاضي، والجواب عن ذلك أن يقال: أني حاولت نقل النصوص التي يفهم منها العموم، سواء كان الحكم حكم القاضي أو ولي الأمر؛ وأخصُّ بالذكر شيخَ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – حيث أكثرتُ النقل عنه،
فقد قال في المجموع (35/ 376): فالشرع الذي يجب على كل مسلم أن يتبعه، ويجب على ولاة الأمر نصره والجهاد عليه هو الكتاب والسنة، وأما حكم الحاكم فذاك يقال له قضاء القاضي؛ ليس هو الشرع الذي فرض الله على جميع الخلق طاعته؛ بل القاضي العالم العادل يصيب تارة ويخطئ أخرى ...
ثم قال (35/ 378): وقد فرض الله على ولاة أمر المسلمين اتباع الشرع الذي هو الكتاب والسنة، وإذا تنازع بعض المسلمين في شيءٍ من مسائل الدين – ولو كان المنازع من آحاد طلبة العلم – لم يكن لولاة الأمور أن يلزموه باتباع حكم حاكم؛ بل عليهم أن يبينوا له الحق كما يبين الحق للجاهل المتعلم؛ فإن تبين له الحق الذي بعث الله به رسوله وظهر وعانده بعد هذا استحق العقاب.
وأما من يقول: إن الذي قلته هو قولي، أو قول طائفة من العلماء المسلمين؛ وقد قلته اجتهاداً أو تقليداً، فهذا باتفاق المسلمين لا تجوز عقوبته، ولو كان أخطأ خطأ مخالفاً للكتاب والسنة، ولو عوقب هذا لعوقب جميع المسلمين ... إلخ كلامه – رحمه الله –.
ثم قال (35/ 387): وولي الأمر إن عرف ما جاء به الكتاب والسنة حكم بين الناس به،
وإن لم يعرفه وأمكنه أن يعلم ما يقول هذا وما يقول هذا حتى يعرف الحق حكم به،
وإن لم يمكنه لا هذا ولا هذا ترك المسلمين على ما هم عليه كل يعبد الله على حسب اجتهاده، وليس له أن يلزم أحدًا بقبول قول غيره وإن كان حاكمًا.
وإذا خرج ولاة الأمور عن هذا فقد حكموا بغير ما أنزل الله، ووقع بأسهم بينهم قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: " ما حكم قوم بغير ما أنزل الله إلا وقع بأسهم بينهم "، وهذا من أعظم أسباب تغيير الدول كما قد جري مثل هذا مرة بعد مرة في زماننا وغير زماننا ...
فهذا النقل – وغيره مما سيأتي – يوضح أن كلام شيخ الإسلام – رحمه الله – عامٌ في ولاة الأمور والقضاة.
نرجع إلى مسألتنا، وسأقدم بين يدي الكلام عنها بعض القيود التي توضح المسألة، وتحرر محل النزاع:
أولاً: حكم الحاكم بتحليل الحرام أو تحريم الحلال المجمع عليه لا أثر له في تغيير الأحكام البتة، إذ " لا طاعة في معصية الله " ().
ثانياً: إلزام الحاكم وإكراهه للناس على قولٍ من الأقوال الفقهية مخالفٍ لما يراه ويعتقده؛ فإن الإنسان يفعل ما أُكْرِهَ عليه وإثمه على من أكرهه، وإن استطاع أن يتخلص من هذا الإكراه فعل.
ـ[عبد الله المزروع]ــــــــ[21 - Nov-2006, مساء 09:01]ـ
أما مسألتنا فهي: حكم الحاكم في أمرٍ عامٍ في مسألة مختلفٍ فيها بين العلماء على قولٍ من الأقوال – كالتأمين التجاري – دون إكراه.
فأقول مستعيناً بالله:
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا يجوز للحاكم أن يلزم الناس بقولٍ من الأقوال إلا إذا رفعت إليه دعوى في قضية خاصة ليحكم فيها؛ فالقضاء بما يترجح عند القاضي ملزم لكلا الطرفين.
قال شيخ الإسلام في المجموع (35/ 372): وليس المراد بالشرع اللازم لجميع الخلق (حكم الحاكم) ولو كان أفضلَ أهل زمانه!؛ بل حكم الحاكم العالم العادل يُلزمُ قوماً معينين تحاكموا إليه في قضيةٍ معينة، لا يُلزم جميع الخلق ... .
والدليل على ذلك ما يلي:
¥