فصل فاذا تدبر العبد علم أن ما هوفيه من الحسنات من فضل الله فشكر الله فزاده الله من فضله عملا صالحا و نعما يفيضها عليه وإذا علم أن الشر لا يحصل له إلا من نفسه بذنوبه استغفر و تاب فزال عنه سبب الشر فيكون العبد دائما شاكرا مستغفرا فلا يزال الخير يتضاعف له و الشر يندفع عنه كما كان النبى صلى الله عليه و سلم يقول في خطبته الحمد لله فيشكر الله ثم يقول نستعينه و نستغفره نستعينه على الطاعة و نستغفره من المعصية ثم يقول و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا فيستعيذ به من الشر الذي في النفس و من عقوبة عمله فليس الشر إلا من نفسه و من عمل نفسه فيستعيذ الله من شر النفس أن يعمل بسبب سيئاته الخطايا ثم إذا عمل استعاذ بالله من سيئات عمله و من عقوبات عمله فاستعانه على الطاعة و أسبابها و استعاذ به من المعصية و عقابها فعلم العبد بأن ما أصابه من حسنة فمن الله و ما أصابه من سيئة فمن نفسه يوجب له هذا و هذا فهو سبحانه فرق بينهما هنا بعد أن جمع بينهما في قوله قل كل من عند الله فبين أن الحسنات و السيئات النعم و المصائب و الطاعات و المعاصي على قول من أدخلها فى من عند الله ثم بين الفرق الذي ينتفعون به و هو أن هذا الخير من نعمة الله فاشكروه يزدكم و هذا الشر من ذنوبكم فاستغفروه يدفعه عنكم قال الله تعالى و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون و قال تعالى الركتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير أن لا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير و بشير و أن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى و يؤت كل ذي فضل فضله والمذنب إذا استغفر ربه من ذنبه فقد تأسى بالسعداء من الأنبياء و المؤمنين كآدم و غيره و إذا أصر و احتج بالقدر فقد تأسى بالأشقياء كابليس و من اتبعه من الغاوين فكان من ذكره أن السيئة من نفس الانسان بذنوبه بعد أن ذكر أن الجميع من عند الله تنبيها على الاستغفار و التوبة و الاستعاذة بالله من شر نفسه و سيئات عمله و الدعاء بذلك فى الصباح و المساء و عند المنام كما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك أبا بكر الصديق أفضل الأمة حيث علمه أن يقول اللهم فاطر السموات و الأرض عالم الغيب و الشهادة أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان و شركه و أن أقترف على نفسي سوءا و أو أجره إلى مسلم فيستغفر مما مضى و يستعيذ مما يستقبل فيكون من حزب السعداء وإذا علم أن الحسنة من الله الجزاء و العمل سأله أن يعينه على فعل الحسنات بقوله إياك نعبد و إياك نستعين و بقوله اهدنا الصراط المستقيم و قوله ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ونحو ذلك.

التبيان في أقسام القرآن لابن القيم ص98

فصل ومن اسرار هذه السورة أنه سبحانه جمع فيها لأوليائه بين جمال الظاهر والباطن فزين وجوههم بالنضرة وبواطنهم بالنظر إليه فلا أجمل لبواطنهم ولا أنعم ولا أحلى من النظر إليه ولا أجمل لظواهرهم من نضرة الوجه وهي إشراقه وتحسينه وبهجته وهذا كما قال في موضع آخر ولقاهم نضرة وسرورا ونظيره قوله يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا فهذا جمال الظاهر وزينته ثم قال ولباس التقوى ذلك خير فهذا جمال الباطن ونظيره قوله إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب فهذا جمال ظاهرها ثم قال وحفظا من كل شيطان مارد فهذا جمال باطنها ونظيره قوله عن امرأة العزيز بعد أن قالت ليوسف اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم فذكرها لهذا هو من تمام وصفها لمحاسنه وأنه في غاية المحاسن ظاهرا وباطنا وينظر إلى هذا المعنى ويناسبه قوله إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى فقابل بين الجوع والعري لأن الجوع ذل الباطن والعري ذل الظاهر وقابل بين الظمأ وهو حر الباطن والضحى وهو حر الظاهر بالبروز للشمس وقريب من هذا قوله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى في ذكر الزاد الظاهر الحسي والزاد الباطن المعنوي فهذا زاد سفر الدنيا وهذا زاد سفر الآخرة ويلم به قول هود ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم فالأول القوة الظاهرة المنفصلة عنهم والثاني الباطنة المتصلة بهم ويشبهه

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015