وقال الآلوسي في قوله: (تشابهت قلوبهم): ((والجملة مقررة لما قبلها)) (2).
وقال أبو حيان: (((تشابهت قلوبهم) الضمير عائد على الذين لا يعلمون والذين من قبلهم، لما ذكر تماثل المقالات، وهي صادرة عن الأهواء والقلوب، ذَكَرَ تماثلَ قلوبهم في العمى والجهل؛ كقوله تعالى: (أتواصوا به) (الذاريات: 53))) (3).
أقوال علماء الوقف:
اختلف علماء الوقف في الحكم على هذا الموضع على أقوالٍ:
الأول: أنَّ الوقف تامٌّ، وهو اختيار ابن مجاهد أحمد بن موسى (4)، والهمذاني (5).
الثاني: أنَّ الوقف كافٍ، وبه قال الأنصاري (6).
الثالث: أنه حسن، وهو قول الأشموني (7).
الرابع: أنه مطلق، وهو قول السجاوندي (8).
و الأَولى في الحكم هنا: الفصلُ بين الجملتين، للْعِلَّةِ المذكورة، وهي أن يُتَوَهَّمَ أنَّ قوله تعالى: (تشابهت قلوبهم) من مقول الكفار.
والصواب أن المقول محذوف، وأن هذه الجملة مستأنفة، وبهذا يكون قول الأشموني بأنه وقف حَسَنٌ غير صحيح، لأنه يلزم من ذلك التعلق الإعرابي وهو غير موجود.
ومع هذا الاستئناف هل الوقف من التام أو الكافي؟.
الأصحُّ أنَّ الوقف كافٍ؛ لأن السياق ما زال متصلاً بالحديث عن الكفار، ويؤكد ذلك الضمير في قوله: ((قلوبهم))، فهو يعود على الذين لا يعلمون والذين من قبلهم المذكورين في الآية. وبهذا تكون الآية مرتبطة بما قبلها في المعنى، واللهُ أعلمُ.
و أما حكم السجاوندي بأنه مطلق، فصحيح أيضًا؛ لأن جملة: (تشابهت قلوبهم) يصحُّ البدء بها، لأن ضابطَ الوقف المطلق عنده هو صِحَّةُ البَدْءِ بما بعد الوقف. والله أعلم.
ــــــــــــــــ
(1) حاشية شيخ زاده على البيضاوي 1: 402.
(2) روح المعاني 1: 370، وانظر: التحرير والتنوير 1: 689، فقد ذكر مثل ذلك.
(3) البحر المحيط 1: 367، وانظر: تفسير ابن جزي 1: 58.
(4) انظر: القطع والائتناف 161.
(5) الهادي في معرفة المقاطع والمبادي 1: 73.
(6) المقصد 47 ـ 48.
(7) منار الهدى 47 ـ 48.
(8) علل الوقوف 1: 121.
ـ[سلمان أبو زيد]ــــــــ[24 - Jun-2007, مساء 02:26]ـ
(3) الوقف اللازم على قوله تعالى (ويسخرون من الذين آمنوا)
قوله تعالى: (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (البقرة:212)
الوقف اللازم في هذه الآية على قوله تعالى: (ويسخرون من الذين آمنوا).
ولهذه الجملة احتمالان في الإعراب:
الأول: أن تكون معطوفة على جملة (زين للذين كفروا).
الثاني: أن تكون جملة حاليةً على تقدير: وهم يسخرون (1).
وبناءً على هذا الوقف، فإنَّ جملة: (والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة) محمولةٌ على الاستئناف.
ووجه الإشكال في الوصل بيَّنها السجاوندي، فقال:» ولو وصل صار (فوقهم) ظرفاً لـ (يسخرون)، أو حالاً لفاعل (يسخرون)، وقُبْحُهُ ظاهرٌ «(2).
والصواب من الإعرابِ أنَّ الواو عاطفة، وأن جملة (والذين اتقوا) معطوف على جملة (زين للذين كفروا) (3).
أقوال علماء الوقف:
اختلف علماء الوقف في الحكم على هذا الموضع على أقوال:
الأول: أنَّ الوقف كافٍ، وهو اختيار الداني (4)، والغزال (5).
الثاني: أن الوقف حسنٌ، وبهذا الوقف قال أبو جعفر النحاس (6)، وابن الأنباري (7)، والهمذاني (8)، والأنصاري (9)، والأشموني (10).
الثالث: أن الوقف لازم، وهو اختيار السجاوندي (11).
وأولى هذه الأقوال قول من قال: إنَّ الوقف حَسَنٌ؛ لأن جملة (والذين اتقوا) مرتبطة إعراباً بجملة (زين للذين كفروا) وهذا الرابطُ اللفظي الإعرابي يجعل الوقف حسناً.
ولِوُجودِ هذا الرابط اللفظي الإعرابي لا يصلح أن يكون الوقف كافياً، كما لا يصلح البدءُ بجملة (والذين اتقوا) الذي هو نتيجةُ الحكم باللازم.
أمَّا ما عَلَّلَ به السجاوندي فهو من البُعْدِ والتَّكلفِ بمكان؛ لأنَّ هذه العلة ـ لو صحَّت ـ لا يدركها إلا المتخصص في علم النَّحو. ويلزم من عِلَّتِهِ أنْ يُفهَم أنَّ جملة (الذين اتقوا) عطف على جملة (الذين آمنوا)، وأنَّ قوله: (فوقهم) ظرف لـ (يسخرون) أو حالٌ لفاعلِ (يسخرون)، وهذا لا يُدْرَكُ إلا بتأمل.
ولو بدأ القارئ من قوله تعالى: (زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة)، فوقف هنا، لكان واضحاً أنَّ الفوقية للمتقين وأنَّ الظرف (فوقهم) لا يتعلق بهذا الفعل البعيد عنه، وهو (يسخرون).
.............................. .........
(1) انظر: البحر المحيط 2: 130، والدر المصون 2: 372.
(2) علل الوقوف 1: 168.
(3) انظر: الجدول في إعراب القرآن 2: 362، وإعراب القرآن الكريم، لمحيي الدين درويش 1: 312.
(4) المكتفى 83.
(5) الوقف والابتداء 1: 268، وعبارته:» حسن «، وهي تعني الكافي عند غيره.
(6) القطع والائتناف 183.
(7) إيضاح الوقف 1: 549.
(8) الهادي في معرفة المقاطع والمبادي 1: 110.
(9) المقصد، بحاشية منار الهدى 58.
(10) منار الهدى 58.
(1 1) علل الوقوف 1: 168.