و قال أبو حيان ـ مناقشاً لهذا القول ـ: ((واختار بعض المعربين والمفسرين أن يكون قوله تعالى: (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) (البقرة: من الآية26) في موضع الصفة لمثل … فعلى هذا يكون من كلام الذين كفروا، وهذا الوجه ليس بظاهر؛ لأن الذي ذكر أن الله لا يستحيي منه هو ضرب مثلٍ ما؛ أيِّ مثلٍ كان: بعوضة أو ما فوقها، والذين كفروا إنما سألوا سؤال استهزاء وليسوا معترفين بأن هذا المثل يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً إلا إن ضَمَّن معنى الكلام: إن ذلك على حسب اعتقادكم وزعمكم أيها المؤمنون، فيمكن ذلك، ولكن كونه إخباراً من الله تعالى هو الظاهر)) (13).

أقوال علماء الوقف:

اختلف علماء الوقف في الحكم على هذا الموضع على أقوالٍ:

الأول: أنه تام، وبه قال أبو حاتم، وأبو جعفر النحاس (14).

الثاني: أنه حسن، وبه قال أبو العلا الهمذاني (15).

الثالث: أنه لازم، وهو قول السجاوندي (16).

الرابع: التفصيل بين الكفاية والجواز، وهو قول الأشموني، حيث قال: ((كافٍ، على استئناف ما بعده جواباً من الله للكفار. وإن جُعل من تتمَّةِ الحكاية عنهم كان جائزاً (17))) (18).

هذا، وقد سبق ذكر الوجه التفسيري المترجح، وهو قول الجمهور، حيث جعلوا قوله تعالى: (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) (البقرة: من الآية26) من قول الله استئنافاً للردِّ على الكفار. وبهذا الوجه يكون الفصل بين الجملتين بالوقف هو المرجَّح، وهذا يتناسب من حكم عليه بالتمام والكفاية واللزوم.

وكونه كافياً أقرب؛ لأن الجملة فيها ردٌّ على ما سبق من كلام الكفار، وبهذا تكون مرتبطة بما قبلها من جهة المعنى؛ لأن الحديث عن ضرب المثل لم يتمَّ بعد. والعلة التي ذكرها السجاوندي تجعل تخيُّر الوقف على هذا الموضع أولى، وإن كان كافياً.

أما حكم أبي العلاء الهمذاني عليه بأنه حسن , وكذا ما ذكره الأشموني من أنه إن جعل من تتمه الحكاية عنهم كان جائزاً فهو موافق لاختيار الفراء التفسيري , وقد سبق الرد عليه.

الدكتور / مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار

الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياضـ

() تفسير الطبري 1: 181.

(2) تفسير الطبري 1: 181.

(3) القطع والائتناف 129.

(4) فتح القدير 1: 57، وهو بنصه في فتح البيان، لصديق خان 1: 94، وانظر: تفسير القرطبي 1: 209، وروح المعاني 1: 209.

(5) تفسير ابن جزي 1: 42.

(6) زاد المسير 1: 43.

(7) علل الوقوف 1: 89.

(8) البحر المحيط 1: 125.

(9) معاني القرآن 1: 23.

(10) انظر: زاد المسير 1: 43.

(1) معاني القرآن 1: 23.

(2) انظر: فتح القدير 1: 57، وفتح البيان 1: 94.

(3) البحر المحيط 1: 125.

(4) انظر: القطع والائتناف 129.

(5) الهادي إلى معرفة المقاطع والمبادي 1: 44.

(6) علل الوقوف 1: 89.

(7) قال الأشموني في منار الهدى (ص: 10) عن مصطلح الجائز: ((… ثمَّ الأصلح، وهو الذي يعبر عنه بالجائز)). ولم يشرح بأكثر من هذا.

(8) منار الهدى 37.

ـ[سلمان أبو زيد]ــــــــ[24 - Jun-2007, مساء 02:24]ـ

(2) التعليق على الوقف اللازم على قوله تعالى (كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم)

قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (البقرة:118).

الوقف اللازم في هذه الآية على قوله تعالى: (مثل قولهم)، ومن ثَمَّ، فما بعدها مفصول عنها.

ويكون مقول القول محذوفاً، قد دلَّ عليه سباق الآية، وهو ما ذكره الله من قولِ الذين لا يعلمون: (لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية)، فمقولهم المحذوف: هو هذا الاقتراح.

ولو وصل القارئ قولَه تعالى: (مثل قولهم) بقوله تعالى: (تشابهت قلوبهم)؛ لتُوهِّم أن جملة: (تشابهت قلوبهم) هي مقولُ القَولِ، وليس الأمر كذلك، وبناءً عليه لَزِمَ الوقف على قوله: (مثل قولهم)؛ لِيُفهَم المعنى بالفصل.

قال شيخ زاده في حاشيته على البيضاوي: ((قوله: (تشابهت قلوبهم) استئناف على وجه تعليلِ تشابُهِ مقالتِهم بمقالةِ من قبلهم)) (1).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015