وقبل الخوض فيه ينبغي لكل مصنف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما؛ هذا إذا خرج له في الأصول، فأما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم وحينئذ إذا وجدنا لغيره في أحد منهم طعناً فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام فلا يقبل إلا مبين السبب مفسراً بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي أو في ضبطه مطلقاً أو في ضبطه لخبر بعينه، لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة، منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح، وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرَّجُ عنه في الصحيح: هذا جاز القنطرة يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه؛ قال الشيخ أبو الفتح القشيري في مختصره: وهكذا نعتقد وبه نقول ولا نخرج عنه إلا بحجة ظاهرة وبيان شاف يزيد في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما. قلت: فلا يقبل الطعن في أحد منهم إلا بقادح واضح لأن أسباب الجرح مختلفة ومدارها على خمسة أشياء البدعة أو المخالفة أو الغلط أو جهالة الحال أو دعوى الانقطاع في السند بأن يدعي في الراوي أنه كان يدلس أو يرسل.

فأما جهالة الحال فمندفعة عن جميع من أخرج لهم في الصحيح لأن شرط الصحيح أن يكون راويه معروفاً بالعدالة فمن زعم أن أحدا منهم مجهول فكأنه نازع المصنف في دعواه أنه معروف ولا شك أن المدعي لمعرفته مقدم على من يدعي عدم معرفته لما مع المثبت من زيادة العلم؛ ومع ذلك فلا تجد في رجال الصحيح أحداً ممن يسوغ إطلاق اسم الجهالة عليه أصلاً كما سنبينه.

وأما الغلط فتارة يكثر من الراوي وتارة يقل فحيث يوصف بكونه كثير الغلط ينظر فيما أخرج له إن وجد مروياً عنده أو عند غيره من رواية غير هذا الموصوف بالغلط علم أن المعتمد أصل الحديث لا خصوص هذه الطريق وإن لم يوجد إلا من طريقه فهذا قادح يوجب التوقف عن الحكم بصحة ما هذا سبيله، وليس في الصحيح بحمد الله من ذلك شيء؛ وحيث يوصف بقلة الغلط كما يقال: سيء الحفظ أو له أوهام أو له مناكير وغير ذلك من العبارات فالحكم فيه كالحكم في الذي قبله إلا أن الرواية عن هؤلاء في المتابعات أكثر منها عند المصنف من الرواية عن أولئك 000».

(((الشعبي عامر بن شراحيل)))

قال الزركشي في النكت على مقدمة ابن الصلاح 3/ 372: وحكى الشيخ علاء الدين مغلطاي عن تاريخ قرطبة أن بقي بن مخلد قال كل من رويت عنه فهو ثقة، ومن تاريخ ابن أبي خيثمة سمعت يحيى بن معين يقول: إذا حدث الشعبي عن رجل فسماه فهو ثقة يحتج بحديثه.

وجاء في حاشية تهذيب الكمال (8/ 13) من تعليق محققه: «وقال ابن خلفون في كتاب الثقات: قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: إذا روى الحسن والشعبي عن رجل فسمياه فهو ثقة يحتج بحديثه. نقله مغلطاي واختصره ابن حجر» (40).

يعني نسب هذا الضابط إلى ابن أبي خيثمة، جعله من قوله ولم يذكر ابن معين؛ أقول: ولعل ابن حجر ذكره من غير اختصار ثم سقط ذكره من بعض نساخ كتابه.

وقد ورد في المحدث الفاصل للرامهرمزي (ص417) وتهذيب ابن حجر (8/ 353) أن الشعبي عاب على قتادة أنه يأخذ الحديث عن كل أحد.

وقال يعقوب بن شيبة: «قلت ليحيى بن معين: متى يكون الرجل معروفاً؟ إذا روى عنه كم؟ قال: إذا روى عن الرجل مثل ابن سيرين والشعبي وهؤلاء أهل العلم فهو غير مجهول. قلت: فإذا روى عن الرجل مثل سماك بن حرب وأبي اسحاق؟ قال: هؤلاء يروون عن مجهولين».

نقله ابن رجب في شرح العلل (1/ 377) وقال: «وهذا تفصيل حسن وهو يخالف اطلاق محمد بن يحيى الذهلي الذي تبعه عليه المتأخرون أنه لا يخرج الرجل من الجهالة الا برواية رجلين فصاعداً عنه».

(((النسائي)))

قال مؤلفا (تحرير التقريب): (والنسائي وأبو حاتم ممن ينتقون الشيوخ فلا يحدثون عن كل أحد).

وقال الدكتور حاتم العوني في خاتمة تحقيقه كتاب (تسمية مشايخ النسائي) (ص127 - 129) ما نصه:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015