فما كان من الشيخ حاج عيسى إلا أن اعترض على إلزام الشيخ حاتم بأنه لا يلزمه هو، و ادعى أن هذا الإلزام دليلُ عدم تحرير الشيخِ محلَ النزاع، غافلاً عن أن فهمه لرأي البخاري غيرُ فهمِ الطائفة الذين يَردُّ عليهم الشيخ حاتم! فهُم يَنسبون للبخاري شرطاً غير الشرط الذي ينسبه الشيخ حاج عيسى. فلو كان – عفا الله عنه - محرراً لحقيقة قول البخاري لعلِمَ أن هذا الإلزام في محله، وكان الأولى به حينها أن يقول: إنه إلزامٌ صحيح لهم، إلا أن فهمهم لشرط البخاري خاطئ، والصواب هو الفهم التالي: ... ثم يذكر أدلة رجحان فهمه.

لكن ما فعله الشيخ حاج عيسى هو جَمْعُ العلماء الشارحين لشرط البخاري على فهمٍ واحدٍ، غافلاً عن أن لهم فهوماً مختلفةً متباينةً، كان الأَوْلى به أن يحرر أوجه الخلاف بينها، ورجحان فهمه عليها بأدلته.

وليَبِينَ للقارئ الكريم أَيُّ الرجلين – الشيخ حاتم والشيخ حاج عيسى – كان أحظى بتحرير محل النزاع في هذه المسألة الثانية مِن مخالفه فإني انقل نصوصهما التي خصَّاها بتحرير محل النزاع هنا وهو (حقيقة شرط البخاري):

1 - الشيخ حاتم الشريف: بعد شرحه لمذاهب العلماء في فهم شرط البخاري ونسبته كل فهمٍ إلى أصحابه قال: (ص 15):

(ونخلص من هذا: أن شرط البخاري في الحديث المعنعن، بعد السلامة من وصمة التدليس، اختُلفَ فيه إلى أربعة أقوال:

الأول: أن البخاري يشترط أن يقف على ما يدل على السماع نصًّا.

الثاني: أن البخاري يشترط أن يقف على ما يدل على اللقاء.

الثالث: أن البخاري يشترط أن يقف على ما يدل على اللقاء، وأنه يكتفي بالمعاصرة أحيانًا إذا وُجدت قرائن قويّة تدل على اللقاء والسماع.

الرابع: أن البخاري يشترط أن يقف على ما يدل على اللقاء أو السماع في كتابه الصحيح، ولا يشترط ذلك للقول بالاتصال خارج كتابه.)

2 - الشيخ حاج عيسى: قال: (فأقول مستعينا بالله تعالى:

إذا روى الراوي عمن عاصره فله ثلاثة أحوال:

الأولى: أن يكون قد سمع منه وعلمنا ذلك بالدلائل والقرائن كثبوت اللقي.

الثانية: أن نعلم أنه لم يسمع منه، بأن نقف على دليل أو قرينة تنفي سماعه منه ولقيه له.

الثالثة: أن يثبت لا لدينا شيء من دلائل السماع ولا نفيه.

فأما الصورة الأولى: فإن العنعنة فيها مقبولة إلا من المدلس المشهور بالتدليس –على خلاف-.

وأما الصورة الثانية: فينبغي أن لا يختلف فيها – أو هي محل إجماع - ...

وأما الصورة الثالثة: فهي موضع الإشكال، هل الأصل فيها الحكم بالاتصال فلا يتوقف إلا في رواية المدلس، أم أن الأصل فيها التوقف فلا يحتج بها حتى يتبين الاتصال بالتصريح بالسماع أو ثبوت اللقي على الأقل.

ذهب إلى القول الأول مسلم ونسبه ابن رجب إلى ظاهر قول ابن حبان.

واختار القول الثاني أكثر المصنفين في علوم الحديث ونسبه القاضي عياض إلى البخاري وعلي بن المديني، وابن رجب إلى جمهور الأئمة المتقدمين (على خلاف بينهم في اعتبار قرينة ثبوت اللقاء).أ. هـ

فانظر كيف اختزل اختلافَ فهومِ العلماء لمذهب البخاري في فهمٍ واحدٍ فقط!

فإما أنه يرى الخلاف بينها لفظياً، وأنها في حقيقتها ترجع لمعنى واحد، فليُبيِّن لنا، وإما أنه يراها فهوماً مختلفة ومتباينة وأن الراجح منها هو الفهمُ الذي يراه رأياً للبخاري، فليبيِّن لنا وجه ترجيحه وإبطاله للفهوم الأخرى.

هذا هو محل النزاع الذي كان ينبغي عليه أن ينشغل بتحريره، لا أن يشغلنا بدعاوى عريضة ليس تحتها من العلم سوى عدم العلم بمحل النزاع فضلاً عن تحريره.

ولم يَنْتَه الحديث عن عدم تحريره لمحل النزاع!

فلم يزل الشيخ حاج عيسى يزيدنا أمثلةً تدل على عن عدم فهمه لمحل النزاع، وإليك واحداً منها:

عَرَضََ الشيخ حاتم لمعاني (نفي العلم بالسماع) - الذي يرى مخالفوه أن معناه: اشتراط العلم بالسماع – وبيَّنّ أن له في استعمالات المحدثين أكثر من معنى، ليس في شيء من تلك المعاني (اشتراطُ العلم بالسماع):

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015