هذا ما يتعلق بمصادرة كلام العلماء الشارحين لمذهب مسلم في المسألة.
أما شرحُ مسلمٍ نفسِه لمذهبه فقد نال حضه من المصادرة: فالشيخ حاج عيسى يزعم أن مسلماً لم ينص على اعتبار قرائن السماع، بل نَصَّ على الضد من ذلك وهو: عدم اعتباره لقرائن السماع عند تصحيح الأحاديث! = هذا هو فهم الشيخ حاج عيسى لكلام مسلم.
وسأنقل هنا أحد أدلة الشيخ حاتم من كلام مسلم ليعلم القارئ أن لفهمه وجهاً ظاهراً يحتمله كلام مسلم، إن لم يكن هذا الكلام نصاً في المسألة:
قال الإمام مسلم وهو يُعيِّن الصورة التي نازعه فيها خصمه: (أن كل إسنادٍ لحديث فيه فلانٌ عن فلان، وقد أحاط العلم بأنهما كانا في عصر واحد، وجائزٌ أن يكون الحديثُ الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به. . .) وظاهر هذا النص أن مسلماً لايكتفي بالمعاصرة المجردة وإنما بها وبأمرٍ زائدٍ عليها وهو: (جواز السماع – كما عبَّر هنا - وإمكان اللقاء – كما عبَّر في موطن آخر) وهو ما عبّر عنه الشيخ حاتم بـ (قرائن السماع).
فيقول مخالف الشيخ حاج عيسى: لماذا صادرتَ المعاني التي زادها مسلمٌ على مجرد المعاصرة؟ أي: لماذا صادرتَ شرح مسلمٍ نفسِه لمحل النزاع؟
فإن قلتَ: إن لمسلمٍ نصاً يدل على اكتفائه بالمعاصرة المجردة من القرائن. قلنا: هذا ما أردناه وهو: أنك أظهرتَ كلام مسلمٍ وكأنه نصوص قاطعة بمعنى واحدٍ فقط وهو:عدم اعتبار مسلمٍ قرائنَ السماع، مع أن الأَوْلى بك أن تُسلِّم لمخالفك أن في كلام مسلمٍ ما يحتمل هذا وهذا، ثم لا تكتفي ببيان الاحتمال بل تبيِّن أدلة رجحان فهمك ليُسلِّمَ لك القارئ بتحريرك محل النزاع.
وخلاصة رأي الشيخ حاتم – الذي لم تأتْ له بناقضٍ في نقضك – أنَّ نصَّ مسلمٍ قاطعٌ بأنه كان يراعي قرائن ثبوت السماع في رواية المتعاصرين، شأنُه فيها شأنُه في كل مسائل علم الحديث التي لا ينفكُّ فيها عن مراعاة القرائن والبُعد على الظاهرية، كحال أئمة الحديث وجهابذته.
* * * *
المسألة الثانية في دعواه (عدم تحرير محل النزاع) قوله:
(المسألة الأولى: في شرح مذهب مسلم:
(دعوى أعم من الدليل):
لقد أجاد الشيخ حاتم إلى حد ما في شرح مذهب مسلم وتفصيله، إلا في نقطتين اثنتين:
الأولى: زعمه أن مسلما يعتبر القرائن لإثبات الاتصال حين قال (20): «ثم يؤكد مسلم أنه كان يراعي القرائن التي تحتف برواية المتعاصرين، فإما أن تؤيد احتمال السماع أو أن تضعف احتماله» فقوله:"تؤيد احتمال السماع " زيادة مدرجة ليس في كلام مسلم ما يدل عليها – بل فيه ما يدل على ضدها -، ومعلوم أن اشتراط انتفاء القرائن المانعة من اللقاء للحكم بالاتصال يختلف عن اشتراط وجود القرائن، إضافة إلى المعاصرة للحكم بالاتصال، وتطويل الشيخ في التدليل على اعتبار مسلم للقرائن لا يفيده في دعواه شيئا، لأنها دلائل اعتبار القرائن في نفي السماع وهو خارج عن محل النزاع كما سبق.) أ. هـ
أقول: سيظهر من الجواب على هذا الكلام مَن الذي دعواه أعم من الدليل، والجواب كالتالي:
أولاً: الشيخ حاتم أطال التدليل على أمرين:
1 - اعتبار مسلمٍ قرائن إثبات السماع. 2 - اعتبار مسلمٍ قرائن نفي السماع.
فقال (20): ((ثم يؤكّد مسلمٌ أنه كان يراعي القرائن التي تحتفُّ برواية المتعاصرين، فإما أن تؤيدَ احتمال السماع أو أن تُضْعِف احتماله، وذلك في قوله: (أن كل إسنادٍ لحديثٍ فيه فلانٌ عن فلان، وقد أحاط العلمُ بأنهما قد كانا في عصر واحد، وجائزٌ أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به .. ).
فَتَنَبَّهْ إلى أنه ذكر المعاصرة، ثم أضاف إليها شرطًا آخر، وهو جواز السماع وإمكانه، وهو يعني عدم وجود قرائن تُبعد احتمال اللقاء.)) أ. هـ
هذا نص الشيخ كاملاً لا كما عرضته أنت مبتوراً عن دليله الذي تجاهلتَ الجوابَ عنه!
فكيف تزعم أن الشيخ حاتم إنما استدلَّ مِن كلام مسلم على النوع الثاني من القرائن فقط؟ وكأنه لم ينقل كلمة واحدة عن مسلم في (التدليل) على مراعاته للنوعِ الأولِ من القرائن؟
أَمَا وقد ثبتَ أن الشيخ حاتم استدل مِن كلام مسلم اعتبارَه لقرائن السماع فإنّا ننتقل للمبحث الثاني:
¥