الأولى: أن يكون قد سمع منه وعلمنا ذلك بالدلائل والقرائن كثبوت اللقي.
الثانية: أن نعلم أنه لم يسمع منه، بأن نقف على دليل أو قرينة تنفي سماعه منه ولقيه له.
الثالثة: ألا يثبت لدينا شيء من دلائل السماع ولا نفيه) أ. هـ ومعنى هذه الصورة الثالثة عنده (ألا تَرِد أدلة أو قرائن تقوي السماع أو تقوي نفيه) ثم خَصَّ هذه الصورة الأخيرة بأنها محل النزاع بين البخاري ومسلم.
وللجواب فإني أقول مستعيناً بالله تعالى:
ومن قال لك إن مسلماً إنما يخالفُ خصمَه في الصورة التي ليس فيها قرائن السماع؟!
فمخالفك أثبتَ بالأدلة أن مسلماً ينازع خصمه في الصورة التي فيها قرائن السماع! وعليه سيكون محل النزاع في الصورة الأولى!
ثم كيف أصبحتْ الصورة الأولى عندك محل اتفاقٍ بين البخاري ومسلم مع أنك أدخلت فيها قرائن السماع؟ وأنتَ تزعم أن مسلماً عند تصحيحه لحديث متعاصِرَين لم يثبت بينهما سماع = لا يراعي قرائن السماع؟ فيلزمك إذاً أن مسلماً كان يراعي قرائن السماع مع المعاصرة في الحكم بالاتصال.
وما ثبوت اللقي إلا قرينة من القرائن - كما هو نصُّ كلامك - فلا يعني مراعاتها – عند البخاري - عدم مراعاة غيرها من القرائن عند مسلم.
كما يلزمك أيضاً أن اشتراط العلم بالسماع ليس شرطاً للبخاري، لأنه يحكم بالاتصال لورود السماع، أو لورود قرائن تُقوِّ السماع، كثبوت اللقي أو ثبوت غيره من القرائن. فرجع تقسيمك لصُوَر المسألة بالإبطال للقول بأن شرط البخاري هو اشتراط العلم بالسماع.
فإن أصررت على أن مسلماً إنما يخالفُ خصمَه في الصورة التي ليس فيها قرائن السماع. فنقول لك:
وأين أنت عن أدلة مخالفك التي استدل بها على أن مسلماً كان ينصر قولاً يراعي قرائن السماع، وأنت تعلم قبل غيرك أن الشيخ حاتم أعاد وأبدأ (في الإجماع والانتفاع) في التدليل على أن مسلماً كان يراعي قرائن السماع كما يراعي قرائن عدم السماع، فلماذا لم تجب عن أدلته ليسْلَم لك تحريرك لمحل النزاع؟
إلا إن كنت ترى أن مخالفك في تعيين محل النزاع يجب أن يسلِّم لك بتعيينك أنت لمحل النزاع! وهذا أمر لا أشك أنك لا تقوله إلا أنه يَلزَمك: لأن الشيخ حاتم عيَّن محل النزاع بأدلته، وأنت خطَّأته في تعيينه دون جوابٍ عن أدلته، ثم طالبتَ القراء بأن ينطلقوا معك في بحث المسألة من محل النزاع الذي لا يسلِّم لك مخالفك به.
فإن أصررت على أن مسلماً إنما يخالفُ خصمَه في الصورة التي ليس فيها قرائن السماع. فنقول لك:
أنت هنا لا تحكي رأيك، وإنما تحكي رأي العلماء الذين درسوا المسألة وحرروا محل النزاع فيها، وفيهم - كما تعلم أنت قبل غيرك – مَن يرى أن مسلماً إنما يناظر خصمه في مسألةٍ فيها قرائن السماع.
فيلزمك أن العلائي والصنعاني والمعلمي وكل عالمٍ غيرهم سنجده نَسب لمسلمٍ اعتبارَ قرائن السماع في المسألة المتنازَع فيها = يلزمك أن هؤلاء كلهم لم يحرروا محل النزاع!
وإليك نصوصهم:
1 - العلائي: نقل عنه الشيح حاتم قوله في (جامع التحصيل ص117) في سياق ذكره لمذاهب العلماء في الحديث المعنعن:
(والقول الرابع: أنه يُكتفى بمجرّد إمكان اللقاء، دون ثبوت أصله. فمتى كان الراوي بريئًا من تُهمة التدليس، وكان لقاؤه لمن روى عنه بالعنعنة ممكنًا من حيث السِّنّ والبلد= كان الحديثُ مُتّصلاً، وإن لم يأتِ أنهما اجتمعا قط. وهذا قول الإمام مسلم).
ونقل عنه الدريس قوله في (ص125) بعد أن ذكر القولَ المنسوبَ للبخاري: (وهو الراجح دون القول الآخر الذي ذهب إليه مسلم وغيره من الاكتفاء بالمعاصرة المجردة، وإمكان اللقاء). فإمكان اللقاء هو مراعاة قرينتا السِّنِ والبلد، وهما قرينتا إثبات للسماع، لا نفيٍ له.
و العلائي ممن ينصر قول البخاري.
2 - الصنعاني: ذكره الدريس في المؤيدين لمذهب مسلم ونقل عنه قوله في (توضيح الأخبار 1/ 43): (على أن المعاصرة لا تكفي مطلقاً بأن يكون أحدهما في بغداد والآخر في اليمن، بل لابد من تقارب المحلات ليمكن اتصال الرواة).
3 - المعلمي: قال في التنكيل (1/ 79): (المبحث الثاني: في ضبط المعاصرة المعتدِّ بها على قول مسلم:
¥