قائمةٌ لم تُنقَض! فنحن لم نقرأ هذا (النقض) إلا لنتبيَّنَ المسألة العلمية ذاتَها، لا لنعرفَ رأي الشيخ حاج عيسى مجرَّداً عن الدليل.

وما أشبه هذا بأسلوب مدرسة التقليد الذي وصَمْتَ به كتاب إجماع المحدثين، والذي لم يؤلفه صاحبه إلا ليكشفَ هذا التقليد المتوارث من قرون في هذه المسألة!

رابعاً: لماذا يبحث الشيخ حاتم هذه المسألة بكلِّ هذا الحماس؟

والجواب: إن لهذا الحماس أسباباً أهمها سببان:

الأول: أن للمسألة عند أهلها قدراً عظيماً، و شأناً لا يجهله إلا البعيد عن هذا العلم، وما الإمام مسلمٌ إلا أحد أشد الناس حماساً في تناوله لهذه المسألة، كما أن العلماء من لدن القاضي عياض إلى يوم الناس هذا قد انقسموا فيها فريقان يختصمون، كلٌّ يعرض لأدلة مخالفه بالرد والاعتراض. فمَن لم يعرف لها قدْرها لا يَلُم مَن قَدَرَها حقَّ قَدرِها كمسلمٍ وغيره.

الثاني: أن الشيخ حاتم يرى نفسَه في مقام الخارق لإجماعٍ مزعوم تتوارثه كتب المصطلح قرناً بعد قرنٍ، ومَن يتصدى لما هو عند غيره إجماعاً لا يُستَكثَر عليه أن يكون شديدَ الحماس لرأيه، قوياً في بيانه وشرحه، والنفوس المشْبَعةُ قناعةً بهذا الإجماع في حاجة إلى هزةٍ قويةٍ توقضها مِن أَسْر هذا الإجماع.

وما الضعف الظاهر على كثير من اعتراضات الشيخ حاج عيسى إلا دليلُ قوةِ أسرِ هذا الإجماع، بحيث لم يجد له سنداً إلا الضعيفَ من الحجج في أكثر نقضه.

تنبيه: مَن أراد الحق في هذه المسألة فعليه أن يأخذ كلَّ قولٍ من المصدر الأَصِيل لقائله، فرأي الشيخ الحاج عيسى دوَّنه في بحثه هذا، ورأي الشيخ حاتم مدوَّنٌ في (إجماع المحدثين)، فمَن ظَنَّ أن باكتفائه ببحث الشيخ حاج عيسى سيعرف رأي الشيخ حاتم كما شرحه في كتابه فقد أخطأ، وظلم نفسه، وظلم الشيخ حاتم حين أخذ رأيه من غير كتابه، فلن يصل الباحث الجاد إلى تمام تصوُّر رأي الشيخ حاتم حتى يأخذه من كتابه، هذه نصيحة للباحث عن الحق، ولن يضيره بعدها أن يوافق الشيخ حاتم أو يخالفه.

وتنبيهٌ آخر: أرجو ألا تَحُولَ دعوى (عدم الرضا عن الأسلوب) دون تَفهُّمِ قول القائل، أيَّاً ما كان ذاك القائل، فإن الحق في نفسه لا ينقص بضجيج صاحبه، ولا يزيد بلين جانب صاحبه، وفي الانشغال بالأسلوب غُنيةٌ لمَن أراد الراحة من الفهم.

وفي هذا الجزء الأول سأناقش دعوى الشيخ حاج عيسى عدمَ تحرير الشيخ حاتم الشريف محلَ النزاع.

فأقول مستعيناً بالله تعالى:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ

دعوى: (عدم تحرير محل النزاع) ونقضها

في قضية الحديث المعنعن مسألتان حُكي الخلاف فيهما في كتب المصطلح:

الأولى: الحديث المعنعن بين متعاصِرَين (لم يثبت) بينهما سماع ولا لقاء. ونُسب الخلاف فيها إلى البخاري ومسلم.

الثانية: الاختلاف في تحرير مذهب البخاري في نفس المسألة السابقة. وهذا الخلاف لم يعْرِض له الشيخ حاج عيسى ولم يحرره.

أما مسلم فقد تولى بنفسه تحرير قوله في مقدمة صحيحه.

وقد أكثر علينا الشيخ حاج عيسى بـ (عدم تحرير محل النزاع) ليُثبت أن الشيخ حاتم كتب إجماعه خارج محل النزاع. وكان الأَوْلى به - وهو الأصولي - أن يكون أبعد عن عدم (تحرير محل النزاع)، وأكثرَ تحريراً له.

إلا أن مطالعة بحثه أثبتتْ أنه الحقيقُ بوصف (عدم تحرير محل النزاع)! لا لأنه لم يحرر محل النزاع فقط، وإنما لأنه أقحم تحريره المزعوم لمحل نزاعِ المسألةِ الأُولى في نزاعِ المسألة الثانية! غير شاعرٍ بأن المسألة الثانية لها محل نزاعٍ آخر كان ينبغي عليه الاشتغال بتحريره لا الخلط بين محلَّي النزاع.

ولنبدأ معه في دعواه تحريرَ محل النزاع، فنقول:

هذا التحرير المزعوم لمحل النزاع مبنيٌ على مغالطة منشؤها عدم التصور الصحيح للخلافِ المحكي في مسألة الإسناد المعنعن.

كما أن هذا التحرير المزعوم مبنيٌ أيضاً على مصادرةٍ لقول المخالف، بل ولفهوم أهل العلم لمذهب مسلم، ولمذهب البخاري، بل أبلغ من ذلك: أنه مبنيٌ على مصادرة شرحِ مسلمٍ نفسِه لمذهبه!

وإليك تفاصيل هذه المغالطة والمصادرة:

يقول الشيخ حاج عيسى في معرض بيانه لصور رواية الراوي عمن عاصره:

(فأقول مستعينا بالله تعالى:

إذا روى الراوي عمن عاصره فله ثلاثة أحوال:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015