نقض نقض إجماع المحدثين

ـ[رجل من أقصى المدينة]ــــــــ[17 - 07 - 07, 07:48 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، اللهم لك الحمد كلُّه، و لك الثناء كلُّه، أنت أهل الثناء والمجد.

اللهم اهدنا لأحسن الأقوال والأعمال، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .. وبعد:

فقد طالعتُ ما كتبه الشيخ محمد حاج عيسى حول كتاب (إجماع المحدثين) للشيخ حاتم الشريف، فلم أَرَ فيه موضعاً يَسلَم من المؤاخذة إلا القليل، ولم أَرَ فيه (نقضاً) بهذا الحجم الذي تحمله كلمة النقض، بل كلُّ ما فيه لا يعدو كونَه استشكالاتٍ، وسؤالاتٍ، وفهوماً خاطئة لكلام الشيخ حاتم أو للمسألة العلمية ذاتها = مما يتقاصر عن درجة (النقض) إلى مادون ذلك.

وفي البداية أحب أن أسجل بعض الملاحظات الإجمالية والمنهجية على بحث الشيخ محمد حاج عيسى:

أولاً: لا يمانع أحدٌ أن يكتب الشيخ حاج عيسى (نقضاً) لإجماع المحدثين أو غيره، لكن المرفوض في البحث العلمي ألا يَكتبَ نقضاً ثم يسميه (نقضاً)! فبحْث الشيخ حاج عيسى لا يعدو أن يكون تسجيل ملحوظاتٍ على إجماع المحدثين، بعضُها يرقى لمستوى النقض، وغالبها دون ذلك بكثير: فالإشكال لا يسمى نقضاً، والمصادرة على المطلوب لا تسمى نقضاً، والمواعظ عن أسلوب الكتابة لا تسمى نقضاً، والجواب عن غير محل النزاع لا يسمى نقضاً، والخطأ الناشئ عن القصور في التصوُّر الصحيح لقيمة المسألة عند أهلها لا يسمى نقضاً = فهذه أمثلة للموادِّ التي كوَّنتْ (نقض) إجماع المحدثين!

ثانياً: لعل أهم خطئٍ كرَّره الشيخ حاج عيسى وأكثرَ منه هو: المصادرة، خصوصاً في دعواه (عدم تحرير محل النزاع) فهو يأتي لمسألةٍ فيها أقوالٌ وأدلة، فَتَارةً لا يُعَرِّج على هذه الأقوال بالذِكر، أو لا يعرِّج على أدلتها بالإبطال تارة أخرى، ثم يعرض ترجيحه المجرد الذي يتبناه هو وينطلق منه في بحث المسألة! وتكون الخاتمة التي يخرج بها من هذه المصادرة: (نقضَ) إجماع المحدثين! وكأنه يكفي طالبَ العلم نسفاً لهذه الأقوال و الأدلة أن الشيخ محمد حاج عيسى تجاهلها، ولم يُضِع وقته في مناقشتها.

ومن صور المصادرة عند الشيخ حاج عيسى: أن يقف عاجزاً عن الجواب عن دليلٍ للشيخ حاتم، ثم يحسم النقاش حول هذا الدليلٍ بأنه من المتشابه وينبغي ردُّه للمُحكم الذي يراه محكماً، مع أن مخالِفَه – وهو الشيخ حاتم - لا يرى متَشابِهَه متشابهاً، ولا محكَمَه محكَماً، بل لديه تأويله العلمي الذي يزيل عنه دعوى التشابه.

فانظر كيف أصبح عدم العلم دليلاً على العلم، و صار مِن أُسُس (النقض): (مَن لم يعلم حجةً على مَن علم!).

ثالثاً: يبدو أن الشيخ محمد حاج عيسى لا يُفرِّق بين مقام التقرير ومقام الرَّد. فالرد هو مقام التمحيص والتفصيل والمناقشة، أما مقام التقرير فيكفي صاحِبَه أن يُجْمِل قولَه في كلماتٍ معدوداتٍ، وأن يختار الراجح دون الدخول في نقاش أدلة الرأي المخالف.

أما ما نجده في هذا (النقض) الذي بين أيدينا من عدمِ وقوفٍ مع أدلة المخالف، ومِن ترجيحٍ مجرَّدٍ لقولٍ ما في مسألة يَنبني عليها إبطال للقول المخالف = فليس مقامه مقامَ النقض والرد، وإنما مقامَ التقريرِ للمبتدئين في طريق العلم. فالشيخ حاج عيسى يرجح قولاً في معنى التدليس عند مسلم دون ذكر دليلٍ واحد، ويرجح قولاً في مذهب شعبة في العنعنة دون دليل واحد، ثم يبني على هذا الترجيح رَدَّه في المسألة التي يناقش فيها الشيخَ حاتم! مع أن الشيخ حاتم في خصوص التدليس عند مسلم أثبتَ في (المرسل الخفي) بالأدلة الظاهرة أن العلماء جميعاً على رأيٍ واحد في التدليس إلى أن جاء الحافظ ابن حجر فحَصَرَ التدليسَ في أحدى صوْرَتَيه عند السابقين، فالشيخ حاتم مخالفٌ للشيخ حاج عيسى فيما نسبه لمسلم في التدليس في كتابٍ بين يدي الشيخ حاج عيسى، فلا يصح في رَدٍّ يدعي صاحبه أنه بلغ درجة (النقض)، وأنه يحترم عقلية قارئه من أهل العلم أن يكتفي بإعلامِنا أنه له رأياً في هذه المسألة، وأدلة خصمه

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015