فالترمذي إحترز من إطلاق الحسن على من رواه متهم بالكذب ولا يكون شاذاً، ولم يحترز – كما ذكر – ممن دونه وهو في دائرة الضعيف، فهو عرف الحسن لكنه لم يبين انه يحتج به او لا يحتج به.
ولذا قد يطلق الحفاظ على حديث حسن ويريدون به استقامة متنه وحسنه، مع أنه مردود سنداً، وهذا وجد في كلام الأئمة الحفاظ المتقدمين.
- ومنها أن هذا معلوم لمن سبر وتتبع منهج الإمام الترمذي في سننه، وقارن أقواله وأحكامه على الأحاديث بأقوال وأحكام الأئمة.
- ومنها أن الترمذي رحمه الله نص في كثير من المواضع على ما يدل على ضعف الحديث، كأن يعل الحديث بعلة تضعفه، أو ينص على ترجيح غيره عليه، فالترمذي يعقب في بعض المواضع بعد قوله: (حسن)
* فيقول: (ليس إسناده بمتصل)
* ويقول أيضاً بعده: (ليس إسناده بذاك القائم)
* ويقول أيضاً: (ليس إسناده بذاك)
ومثال ذلك ما أخرجه في سننه من طريق حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة قال: توضأ النبي صلى الله عليه وسلم فغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ومسح برأسه وقال: الأذنان من الرأس.
ثم قال عقب ذالك: (هذا حديث حسن ليس إسناده بذاك القائم).
ومن ذلك ما أخرجه من طريق سفيان عن الأعمش عن خيثمة عن الحسن عن عمران مرفوعاً: (من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيجئ أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس).
ثم قال بعد إخراجه: (حديث حسن ليس إسناده بذاك).
ومن ذلك حديث دعاء دخول المسجد أخرجه من طريق إسماعيل بن إبراهيم عن ليث عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك.
قال عقب إخراجه: حسن وليس إسناده بمتصل وفاطمة بنت الحسن لم تدرك فاطمة الكبرى إنما عاشت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم اشهرا.
وهذا هو الأغلب في منهج الترمذي، وربما أطلق لفظ (حسن) وأراد علة في الحديث إسنادية ليست بقادحة، أو تردد وشك في قبوله، وقد أطلق هذه العبارة على شيء من الأحاديث التي هي مخرجة في الصحيحين ومن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من طريق سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة.
أخرجه الترمذي في سننه من هذا الطريق ثم قال عقبه: حسن وقد اختلف الناس في رواية هذا الحديث فروى موسى وإبراهيم بن أبي النضر عن أبي النضر مرفوعا ورواه مالك عن أبي النضر ولم يرفعه وأوقفه بعضهم والحديث المرفوع أصح.
وقد اطلق لفظ (حسن) عليه للاختلاف فيه، مع أن الاختلاف غير مؤثر في صحة الحديث حيث أن الراجح الرفع وقد رجحة الترمذي نفسه رحمه الله.
ومن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من طريق خالد الحذاء عن أبي عثمان النهدي عن عمرو بن العاص أنه قال للنبي صلى الله عليه: أي الناس أحب إليك قال عائشة، قال: من الرجال قال أبوها قال: ثم من قال عمر بن الخطاب.
هذا الحديث أخرجه الترمذي من هذا الطريق ثم قال بعده: حديث حسن.
القسم الثالث:
قوله في أحاديث غريب، أو حسن غريب، أو غريب حسن، أو عدم إطلاق هذه العبارات كأن يقول هذا حديث ليس بالقوي أو إسناده ليس بذاك، أو ليس إسناده بالقائم، أو ليس إسناده بصحيح، أو إسناده ضعيف، أو لا يصح، أو حديث منكر، وهذه كلها عبارات الترمذي – رحمه الله - وغيرها، وكقوله على حديث فيه فلان ليس بالقوي ونحو ذلك، فإن هذا يريد به قوّة في الضعف، وأشدها قوله (حديث منكر) وهي عبارة يستعملها نادراً جداً، ثم يليها - في الغالب - قوله (هذا حديث غريب)، ثم دونها قوله على خبر (حسن غريب) ويعني بهذه العبارة في الغالب أن متن الحديث سليم من الشذوذ والنكارة والغرابة، لكن سند الحديث فيه شيء من غرابة ونكارة وإشكال. وقد تُعل غرابة السندِ الحديثَ وترده.
¥