قال المثبت: جاء في منتخب علل الخلال لابن قدامة (127 رقم 60)، قال مُهَنّى: «قال أحمد بن حنبل: لم يكن عند أبي صالح من الحديث المسند. يعني: إلا شيءٌ يسير. (قال مهنى:) قلت: أي شيء؟ قال: عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة:195]، قال: النفقة في سبيل الله»

والمسند يحمل على المتصل بدليل التصريح بالسماع في رواية ابن أبي حاتم كما سيأتي، ولأن الحديث غير مرفوع.

قال النافي: المشهور عند المحدثين أن المسند هو: المتصل المرفوع.

ثم إن عبارة الإمام أحمد ليست نصا في ذلك.

ومع ذلك فهي مقابلة بعبارة الإمام مسلم وهي نص صريح على ما نقول، وهكذا تبعه الحافظ ابن حبان وغيرهما في نصوص صريحة، فليس قبول عبارة الإمام أحمد –لو كانت نصا- بأولى من قبول عبارة مسلم ومن تابعه.

قال المثبت: الأثر المذكور جاء من رواية شعبة، عن منصور، عن أبي صالح، عن ابن عباس. ومن المعلوم لدى المشتغلين بالسنّة: دلالةُ رواية شعبة بن الحجاج على سماع الرواة الذين روى عنهم بعضهم من بعض، لا في طبقة شيوخه وشيوخهم، بل في طبقة شيوخ شيوخه وشيوخهم أيضًا.

قال النافي: ما ذكرته عن شعبة رحمه الله مشهور عنه، لكنه قرينة أغلبية ليس دليلا قطعيا، وهذه القرينة يستفاد منها ويفزع إليها في مواضع، وليس هذا منها لأن نصوص النقاد – مسلم ومن معه- صريحة قاضية بعدم سماعه.

ويؤيد ما نقول المثال الذي نقلته من العلل لابن أبي حاتم 1/ 448 –وليتك أكملته- ونصه:

"سألت أبي عن اختلاف حديث عمار بن ياسر في التيمم، وما الصحيح منها؟

فقال: رواه الثوري، عن سلمة، عن أبي مالك الغفاري، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم ... قلت: فأبو مالك سمع من عمار شيئا؟ قال: ما أدرى ما أقول لك! قد روى شعبة، عن حصين، عن أبي مالك، سمعت عمارا، ولو لم يعلم شعبة أنه سمع من عمار ما كان شعبة يرويه، وسلمة أحفظ من حصين. قلت: ما تنكر أن يكون سمع من عمار، وقد سمع من ابن عباس؟ قال: بين موت ابن عباس وبين موت عمار قريب من عشرين سنة".

فترى أن أبا حاتم أشار إلى ما أشرت إليه من تميز شعبة في هذا، بل نقل روايته التي فيها التصريح بسماع أبي مالك من عمار، ومع هذا جعلها مرجوحة وقوى عدم السماع.

وقال ابن رجب في (شرح العلل) 2/ 594 –بعد أن ذكر بعض أوهام الرواة في التصريح بالسماع-:" وحينئذ ينبغي التفطن لهذه الأمور ولا يغتر بمجرد ذكر السماع والتحديث في الأسانيد، فقد ذكر ابن المديني أن شعبة وجدوا له غير شيء يذكر فيه الإخبار عن شيوخه ويكون منقطعاً".

ونخشى أن يكون ما ذكرته أيها المثبت من جملة تلك الأشياء.

قال المثبت: إليك أيها النافي الحجة الدامغة، والبرهان الساطع على ما نقول وهو التصريح بالسماع الذي جاء عند ابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 330 رقم 1742) قال: «حدثنا يونس بن حبيب: حدثنا أبو داود: حدثنا شعبة، عن منصور، قال: سمعت أبا صالح مولى أمّ هانيء، أنه سمع ابن عباس يقول في قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة:195]، قال: أنفق في سبيل الله، وإن لم تجد إلا مِشْقصًا».

قال النافي: رواية أبي صالح عن ابن عباس من الروايات المشهورة، ولم يوقف في شئ منها على التصريح بالسماع سوى ما ذكرت، وقد توارد الأئمة الحفاظ: مسلم، فابن حبان، فالعلائي، فابن الملقن، فابن حجر، وغيرهم على نقل عدم السماع، ولو كان سماعه محفوظا لاشتهر لأن هذا مما تتوافر الهمم على نقله، فلعل هذا خطأ من بعض النساخ، أو وهم من بعض الرواة، فالأخطاء في التصريح بالسماع واردة وعليها أمثلة، وسبق النقل عن ابن المديني أن شعبة وجدوا له غير شيء يذكر فيه الإخبار عن شيوخه ويكون منقطعاً.

قال المثبت: ثمة بعض القرائن التي تدل على قدم طبقة أبي صالح –ذكرها الشيخ في أصل المقال- مما يدل على سماعه ممن هو قبل ابن عباس فضلا عنه.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015