ومن العبارات التي قد يستدل بها على كذب أبي صالح، ما رواه سفيان بن عيينة، قال: «سمعت إسماعيل أو مالك بن مغول (الشك من الحميدي الراوي عن سفيان)، قال: سمعت أبا صالح يقول: ما بمكّة أحدٌ إلا وقد علمتُه القرآن، أو علمت أباه. (قال سفيان:) فسألت عَمرو بن دينار عن أبي صالح؟ فقال: لا أعرفه». (المعرفة والتاريخ للفسوي 2/ 685، والضعفاء للعقيلي 1/ 166).

قلت: من نظر في الذين صحّ سماع عَمرو بن دينار منهم، ومن أدركهم أبو صالح، علم أن أبا صالح أكبر من عَمرو بن دينار. ولذلك ذكر الحافظ عَمرو بن دينار في الرابعة، بينما ذكر أبا صالح في الثالثة.

ثم إن أبا صالح ممن نزل الكوفة، فقد ذكره ابن سعد في الطبقات (8/ 413) في أهل الكوفة، وذكره الجوزجاني في أحوال الرجال (رقم 64)، وابن أبي خيثمة في تاريخه (رقم 3775) في الكوفيين أيضًا. ولما ذكره البرديجي في طبقات الأسماء المفردة (رقم 179)، قال عنه: «كوفي». ومعنى ذلك أنه استقرّ في الكوفة، وهو ما يشهد له الرواة عنه، فكلّهم أو عامّتهم كوفيون.

فإذا كان قد استقرّ بالكوفة، ثم إنه يَكْبُرُ عَمرو بن دينار في السنّ، فمعنى ذلك أنه خرج من مكّة في صغر عَمرو بن دينار.

ثم إن أبا صالح كان معلّمَ كُتّاب، فهو لم يقصد من إخباره عن نفسه تعليمَه أهلَ مكّة: أنه كان إمامًا في القراءة أو علوم القرآن (كالتفسير) في زمنه بمكّة، ولَفْظُ أبي صالح يشهد لهذا المعنى.

فأن يَخْفَى ذِكْرُ أبي صالح (مُعَلّم الكُتّاب) على عَمرو بن دينار المكي ليس بالأمرالمستغرب، ولا في ذلك دليلٌ على كذب أبي صالح!!

--------------------------------------------------------------------------------

أمّا عبارات التضعيف الخفيف، سوى ما سبق:

فقال علي بن المديني: «ليس بذاك، ضعيف». (سؤالات محمد بن عثمان رقم 118)، وقال الإمام مسلم -كما سبق-: «قد اتّقى الناس حديثَه». (فتح الباري لابن رجب 3/ 201). وذكره أبو زرعة في الضعفاء (2/ 604 رقم 42). وقال الدارقطني: «ضعيف». (السنن 5/ 472 رقم 4692)، وقال أبو أحمد الحاكم: «ليس بالقوي عندهم». (التهذيب 1/ 417).

وأمّا الأزدي فقال: «كذاب»، والجورقاني فقال: «متروك». (التهذيب 1/ 417)، وكلاهما لا يُقبل منهما ذلك، أمّا الأول فلأنه هو متكلَّم فيه، وأمّا الثاني، فلأنه معارضٌ بمن هم أجل منه وأعرف وأولى بعلم ذلك.

ومن هنا أبدأ بذكر من قَبِلَ حديث أبي صالح، وجعله في دائرة المحتجّ بهم، ولو كان في آخر مراتب القبول.

وأبدأ بقرين عبدالرحمن بن مهدي، والمشهور بالتشدّد أكثر من ابن مهدي، ألا وهو يحيى بن سعيد القطان، فهو أحد أشهر وأجل وأشدّ من لا يروي إلا عن ثقة، وقد روى لأبي صالح، كما في عبارات الإمام أحمد السابقة.

ولم يكتف القطان بذلك حتى كان يقول: «لم أرَ أحدًا من أصحابنا ترك أبا صالح مولى أمّ هانئ، وما سمعت أحدًا من الناس يقول فيه شيئًا، ولم يتركه شعبة، ولا زائدة، ولا عبدالله بن عثمان». (الجرح والتعديل 2/ 432، وضعفاء العقيلي 1/ 166).

قلت: فهؤلاء: شعبة، وزائدة بن قدامة، وإسماعيل بن أبي خالد، ومنصور بن المعتمر، ويحيى القطان يروون عن أبي صالح أو يروون له، وكلّهم ممن لا يروى إلا عن ثقة، كما سبق في حديثنا عن إسماعيل والقطان، وكما هو مشهور عن شعبة، ومعلومٌ في زائدة بن قدامة ومنصور بن المعتمر. (انظر: زوائد رجال صحيح ابن حبان ليحيى الشهري 1/ 174، 176 - 177، 184). أما عبدالله بن عثمان، فأحسبه عبدالله بن عثمان بن معاوية البصري، صاحب شعبة وشريكه، أحد أجلّ الثقات وأتقنهم (تهذيب التهذيب 5/ 317 - 318)، ويصحّ الاستشهاد بذكره في هذا السياق أنه أحد من لا يروي إلا عن ثقة، فإذا انضَمَّت إلى ذلك صلته القويّة بشعبة، قَوِيَ هذا الاستشهاد.

وبذلك يصحّ إدراج هؤلاء الستة ضمن الذين حكموا لأبي صالح بالقبول، وفيهم أعرف الناس به، كتلميذيه إسماعيل بن أبي خالد ومنصور بن المعتمر، وأعرف الناس بالرجال وأشدّهم في التعديل كشعبة والقطان.

وأمّا يحيى بن معين فاختلف قوله فيه، فمرّةً أطلق القول فيه بالضعف، فنقل

عنه ابن أبي خيثمة (رقم 2450، وهي رواية ابن حبان في المجروحين 1/ 185)، أنه قال: «ضعيف الحديث».

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015