روى عشرة أحاديث فأخطأ في بعضها، فقلة ما روى مع الخطأ تورد الريبة في سائر العشرة، فمثله لا يقبل منه التفرد ويوصف بعدم الضبط أو خفته، وقد يبقى في درجة من يستشهد به، وقد يُطرَحُ كليةً» ().

قال عبد الرحمن بن مهدي: قيل لشعبة: متى يترك حديث الرجل؟ قال: «إذا حدَّث عن المعروفين ما لا يَعرفه المعرفون، وإذا أكثر الغلط، وإذا اتهم بالكذب، وإذا روى حديثاً غلطاً مجتمعاً عليه فلم يتهم نفسه فيتركه لذلك طُرح حديثه، وما كان غير ذلك فارووا عنه» ().

وأما قول الشيخ سليمان: «فكيف وقد روى عنه البخاري في صحيحه عن زائدة بن قدامة، وكفى بذلك تعديلاً له».

قلت: هذا فيه نظر، فقد قال الحافظ ابن حجر:

«الربيع بن يحيى الأُشْنَاني، قال الدارقطني: يخطئ في حديثه عن الثوري وشعبة.

قلت: ما أخرج عنه البخاري إلا من حديثه عن زائدة فقط» ().

وهذا يدل على أن البخاري تجنب إخراج ما أخطأ فيه، وانتقى من حديثه ما كان عن زائدة فقط، فالحكم بتوثيقه وقبول روايته مطلقاً، لأن البخاري أخرج له، فيه نظر؛ إذ لا بد من النظر إلى كيفية إخراج البخاري لحديثه لا أن البخاري أخرج له فقط، فليس هذا كافياً في تعديله.

وأما قول الشيخ سليمان: «ومع هذا فلا يمتنع أن يكون الحديث عن ابن المنكدر كما رواه الربيع، إذ قد يكون قد رواه الثوري كما ذكر».

قلت: لم يُصب الشيخ سليمان في تعقبه على الدارقطني؛ وذلك أن سفيان الثوري لم يرو هذا الحديث، قال ابن أبي حاتم:

«سمعت أبي، وقيل له: حديث محمد بن المنكدر، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: في الجمع بين الصلاتين، فقال: حدثنا الربيع بن يحيى، عن الثوري، غير أنه باطل عندي، هذا خطأ، لم أدخله في التصنيف، أراد: أبا الزبير، عن جابر، أو أبا الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، والخطأ من الربيع» ().

«قلت: والربيع هذا، قد قال فيه أبو حاتم نفسه: «ثقة ثبت»،وقد قضى بأن حديثه هذا «حديث باطل»، وأنه هو المخطئ فيه، وهذا يدل على أن الثقة الثبت إذا أخطأ الخطأ الفاحش كان ما أخطأ فيه «باطلاً»، ولا يشفع له كون المخطئ ثقة ثبتاً.

وقوله: «لم أدخله في التصنيف» يدل على أن الحديث عنده، لا يصلح للاستشهاد، لأن الحديث إنما يدخل في التصنيف، إما للاحتجاج أو للاستشهاد، وما لا يصلح لذلك لا يدخل في التصنيف.

والخطأ الذي وقع فيه الربيع ـ كما يرى أبو حاتم ـ، هو أنه دخل عليه حديث في حديث، أو إسناد في إسناد، وهذا يدل على أن هذا الخطأ من الخطأ الفاحش، والذي إذا وقع في الرواية كان موجباً لإنكارها، والحكم عليها بالبطلان، مهما كان المخطئ ثقة أو غير ثقة» ()، وقد قال البرقاني:

قال أبو الحسن (الدارقطني): «حدث الربيع بن يحيى الأُشْنَانِي، عن الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر: «جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين» () وهذا حديث ليس لمحمد بن المنكدر فيه ناقة ولا جمل».

وسأل الحاكم أبو عبد الله الدارقطني، عن الربيع بن يحيى، صاحب هذا الحديث فقال:

«ليس بالقوي، يروي عن الثوري، عن ابن المنكدر، عن جابر «الجمع بين الصلاتين» هذا يسقط مائة ألف حديث» ().

فتبين لنا بعد هذا كله أن هذا الحديث ليس لمحمد بن المنكدر فيه ناقة ولا جمل.

وقول الشيخ سليمان في تعقبه على الإمام الذهبي:

«والعجب من المصنف أنه ترجم له في عاشفه، ونقل عن أبي حاتم أنه «ثقة ثبت»، ولم يتعرض له كما صنع في هذا».

قلت: صدق الشيخ سيلمان، فقد رجعت إلى (الكاشف) () فلم ينقل الذهبي في ترجمة الربيع بن يحيى، إلا قول أبي حاتم أنه «ثقة ثبت» ولم يتعرض له كما صنع في (المغني) من تعجبه من توثيق أبي حاتم له مع تعنته، وإيراده لقول الدارقطني، إلا أن هذا لا يلزم أنه لم يتعرض له في كتبه الأخرى، فقد ترجم الذهبي للربيع بن يحيى في (ميزان الاعتدال ()) بمثل ما ترجم له في (المغني) حيث قال:

«الربيع بن يحيى الأُشْنَانِي، عن شعبة وغيره، صدوق، روى عنه البخاري، وقد قال أبو حاتم مع تعنته: «ثقة ثبت» وأما الدارقطني فقال: «ضعيف يخطئ كثيراً، قد أتى عن الثوري بخبر منكر، عن محمد بن المنكدر، عن جابر في «الجمع بين الصلاتين» قال بعض الحفاظ (الدارقطني): هذا يسقط مائة ألف حديث».

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015