قلت: الحسن بن عمرو بن سيف، أبو علي البصري، قيل إنه عبدي أو هُذلي أو باهلي، وقال الحافظ ابن حجر:
«قال البخاري: كذاب، وقال أبو أحمد الحاكم: متروك الحديث، وقال أبو حاتم الرازي: متروك الحديث، وكذَّبه ابن المديني» () وقواه ابن عدي فقال:
«له غرائب، وأحاديثه حِسان، وأرجو أنه لا بأس به» ().
قلت: ومن خلال النظر إلى رمي الأئمة النقاد للحسن بن عمرو، بالكذب والترك، يظهر بلا شك صواب ودقة قول الشيخ سليمان إنه:
«متروك ولا التفات إلى تقوية ابن عدي له، ولأن الجرح إذا فُسر مقدم على التعديل، وهذا ابن المديني والبخاري، قد فسراه بالكذب ولا جرح أعظم منه».
فالشيخ هنا جرى على الأصل المعتبر، وهو إذا تعارض الجرح والتعديل قدم الجرح المفسر على التعديل، وهذا الأصل تقيده ضوابط متعددة، توجد في ثنايا كلام الأئمة عند الموازنة بين الآراء المختلفة في توثيق الراوي وتضعيفه ().
والعجب من تقوية الحافظ ابن عدي، للحسن بن عمرو، مع رمي الأئمة النقاد له بالكذب والترك، ولعل ابن عدي لم يعلم من حاله ما علمه الأَئمة، ولم يطلع على كلامهم، ودليل ذلك أنه عندما ترجم للحسن بن عمرو في (الكامل) () ذكر له أحاديث كثيرة وغرائب، ولم يذكر قولاً واحداً لمن جَرَّحه، مع أن من عادته، أنه يذكر أقوال الجارحين بسنده ويعتني بها.
خامساً: تعقبه على الإمام الدارقطني في مبالغته في الحكم على راو ٍ له أوهام بطرح حديثه وإسقاطه، وضمنه تعقب على الذهبي.
قال الإمام الذهبي: «الربيع بن يحيى الأُشْنَانِي، عن شعبة، صدوق، روى عنه البخاري، وفيه بعض اللين. والعجب أن أبا حاتم ـ مع تعنته ـ قال: «ثقة ثبت» وقال الدارقطني: «ضعيف يخطئ كثيراً، وقد أَتى عن الثوري بخبر منكر» ().
قال الشيخ سليمان: «قلت ما رواه عن الثوري، عن ابن المنكدر، عن جابر جَمَعَ النبي صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين، قال الدارقطني: «وهذا حديث ليس لابن المنكدر فيه ناقة ولا جمل، وهذا يسقط مائة ألف حديث».
قلت: هذا مبالغة من الحافظ رحمه الله تعالى، فمع تقدير وهمه في هذا الحديث لا يوجب إطِّراح حديثه، إذ ما من حافظ إلا وقد ضُبط عنه من الوهم ما يشبه هذا إلا ما شاء الله، ومع هذا فما اطَّرح العلماء أحاديثهم، بل رووها واحتجوا بها.
فكيف وقد روى عنه البخاري في صحيحه عن زائدة بن قدامة، وكفى بذلك تعديلاً له، ومع هذا فلا يمتنع أن يكون الحديث عن ابن المنكدر كما رواه الربيع، إذ قد يكون قد رواه عن الثوري كما ذكر.
بقي أنه انفرد به، فهذا لا يوجب شيئاً مما قال الدارقطني. والعجب من المصنف أنه ترجم له في كاشفه، ونقل عن أبي حاتم أنه «ثقة ثبت»،ولم يتعرض له كما صنع في هذا. و الله أعلم» ().
قلت: لعل الشيخ سليمان، أصاب في تعقبه على الحافظ الدارقطني بقوله: «هذا مبالغة من الحافظ رحمه الله تعالى، فمع تقدير وهمه في هذا الحديث، لا يوجب اطَّراح حديثه؛ إذ ما من حافظ إلا وقد ضُبط عنه من الوهم ما يشبه هذا، إلا ما شاء الله، ومع هذا فما اطَّرح العلماء أحاديثهم، بل رووها واحتجوا بها».
وقد وافق الشيخ سليمان في هذا التعقب الإمام الذهبي نفسه، فقد قال في (سير أعلام النبلاء) معقباً على قول الدارقطني: «هذا يسقط مائة ألف حديث»: قال:
«يعني: من أتى بهذا ممن هو صاحب مائة ألف حديث أَثَّر فيه ليناً، بحيث تنحط رتبة المائة ألف عن درجة الاحتجاج، وإنما هو على سبيل المبالغة، فكم ممن قد روى مائتي حديث، ووهم منها في حديثين وثلاثة وهو ثقة» ().
هذا ومما ينبغي أن يعلم «أن السلامة من الغلط والوهم ليست واردة على أحد من رواة الحديث وإن وصف بكونه «أمير المؤمنين في الحديث» لذا فالخطأ النادر المتميز من الثقة، في راوٍ أو إسناد أو متن، لا يسقط به الثقة، إنما يُرد من روايته ذلك الخطأ …واعلم أن ورود مظنة الغلط، على كل راوٍ أوجبت التَحرِّي والتثبت في قبول الأحاديث المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفحص أحوال النقلة وتمييز ضبطهم من عدمه، وتمامه من نقصه، ومقدار غلطهم بالنسبة إلى جملة ما رووا، فراوٍ حدَّث بمئة حديث، وأخطأ في بضعة أحاديث، فرفع ما هو موقوف أو وصل ما هو مرسل، فلا تُطرح المئة لأجل البضعة، وإنما يُمَيَّز ما أخطأ فيه بالحجة، ويقبل سائره، وآخر
¥