2 - من فوائد هذه التسمية أيضًا: أن نعلم أن التسمية بالمسند لا يلزم منها أن يكون الكتاب مرتبًا على أسماء الصحابة؛ لأن المشهور في الكتب التي وُصِفَت بالمسند هي الكتب التي رُتبت فيها الأحاديث على حسب أسماء الصحابة، لكن هذا ليس على اضطراده؛ لأنه هناك كتب متعددة وُصِفت بأنها مسند وهي غير مرتبة على أسماء الصحابة، وعلى رأسها كتاب " مسلم بن الحجاج "، وكتاب " مسند الدارمي "، وكتاب " مسند السَّرَّاج "، وكتب متعددة أخرى وُصفت بأنها وُسِمَتْ أو سماها أصحابها بالمسند، وهي غير مرتبة على أسماء الصحابة.

ما دام أننا تعرضنا إلى قضية أن كتاب مسلم مع تسميته بـ" المسند " إلا أنه مرتَّب على الأبواب، فنتطرق إلى تبويب الإمام مسلم:

--------------------------------------------------------------------------------

من المعلوم أن هذا الكتاب – كما ذكرنا – مرَّتَب على الأبواب وعلى الكتب، لكن الأمر المستَغْرَب الملْفِت للنظر أن الإمام مسلم لم يضع عناوين للأبواب، ليس هو الذي بَوَّبَ كتابه، هو مُرَتَّب على الأبواب، وبدقة، لكنه لم يضع عناوين لتلك الأبواب المرتبة، وضع عناوين الكتب: " كتاب الإيمان "، " كتاب الطهارة "، " كتاب الصلاة ". . هذه من وَضْع الإمام مسلم، لكن عناوين الأبواب الداخلية ضمن كل كتاب منها؛ هذه لم يضعها الإمام مسلم.

تقولون: طيب! الكتاب مطبوع بعناوين!!

هذه العناوين بعضها من النُّسَّاخ، وبعضها من الشُّرَّاح؛ أضافها إما ناسخ الكتاب ليُمَيِّز كل مجموعة من الأحاديث متعلقة بتبويب، وبعضها مأخوذ من الشراح، وأغلب المطبوعات لـ" صحيح مسلم " اعتمدت كثيرًا على تبويبات الإمام النووي لشرحه لـ" صحيح مسلم "، فهذه التبويبات ليست من وَضْع مسلم، وإنما هي من وَضْع الشراح، وفي بعض النسخ من وَضْع النُّسَّاخ؛ لأن هناك نُسَخ قبل الإمام مسلم وجدنا فيها تبويبات، فهذا يدل على أن هذه التبويبات ربما فعلها أيضًا النساخ أنفسهم.

وهذا الأمر – الحقيقة – يحتاج إلى وَقفة؛ لأن الكتاب – كما ذكرت – مُرَتَّب بالفعل على الأبواب، إلا أنه لم يذكر هذه العناوين.

فما هو السبب في عدم ذكره لهذه العناوين مع أنه قام بالجهد المطلوب وهو ترتيبه على الأبواب؟

هناك سببان محتملان إما يكون هذا أو ذاك، ويحتمل أن يكون كلا السببين هما اللذان دَعَيَا الإمام مسلم إلى حذف هذه التبويبات:

السبب الأول: الاختصار؛ فإنه نص في عنوان كتابه أن كتابه مختصر، فأراد أن يحذف هذه التبويبات للاختصار.

السبب الثاني والذي يظهر أن هو الأقوى: أنه أراد أن يجعل كتابه خالِصًا للأحاديث النبوية دون أن يُبَيِّن رأيه فيها؛ أن يترك الناظر يَستنبط هو وحده من هذه الأحاديث الحكم المُسْتَنْبَط منها.

--------------------------------------------------------------------------------

وفي هذا السياق أتذكر كلمة الإمام أحمد عندما انتقد كتاب " الموطأ " للإمام مالك أنه جمع فيه بين الرأي والحديث، يعني الفقه والحديث، وكان يرى الإمام أحمدُ أنه لو خُلِّصَ الحديث وحده لكان هذا أولى، فلعل الإمام مسلم يرى هذا الرأي، قد يكون استفاده من شيخه أحمد أو من غيره وقد يكون هو مُتَبَنٍّ لهذه الفكرة أيضًا، المقصود أن هذا العمل لمسلم الظاهر – والله أعلم – أنه قصد به بالفعل أن يجعل كتابه جامعًا للأحاديث دون تَدَخُّل منه في الفقه المُسْتَنْبَط من هذه الأحاديث.

وهذا منهج محمود، ومنهج البخاري أيضًا محمود ولا شك، فكم كنا سنفقد من العلم لو أن الإمام البخاري لم يبين لنا فقهه من تلك الأحاديث، وكل اجتهد ويؤجر على اجتهاده إن شاء الله.

ومن هنا ندخل إلى أعظم ما يُمَيِّز " صحيح الإمام مسلم " على " صحيح البخاري "، وهو قضية " الترتيب والتبويب ":

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015